٧ - ﴿ أم يقولون افتراه ﴾ أم هي المنقطعة : أي بل أيقولون افتراه والاستفهام للإنكار والتعجب من صنيعهم وبل للانتقال عن تسميتهم الآيات سحرا إلى قولهم : إن رسول الله افترى ما جاء به وفي ذلك من التوبيخ والتقريع ما لا يخفى ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عنهم فقال :﴿ قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا ﴾ أي قل إن افتريته على سبيل الفرض والتقدير : كما تدعون فلا تقدرون على أن تردوا عني عقاب الله فكيف افتري على الله لأجلكم وأنتم لا تقدرون على دفع عقابه عني ﴿ هو أعلم بما تفيضون فيه ﴾ أي تخوضون فيه من التكذيب والإفاضة في الشيء الخوض فيه والاندفاع فيه يقال أفاضوا في الحديث : أي اندفعوا فيه وأفاض البعير : إذا دفع جرته من كرشه والمعنى : الله أعلم بما تقولون في القرآن وتخوضون فيه من التكذيب له والقول بأنه سحر وكهانة :﴿ كفى به شهيدا بيني وبينكم ﴾ فإنه يشهد لي بأن القرآن من عنده وأني قد بلغتكم ويشهد عليكم بالتكذيب والجحود وفي هذا وعيد شديد ﴿ وهو الغفور الرحيم ﴾ لمن تاب وآمن وصدق بالقرآن وعمل بما فيه : أي كثير المغفرة والرحمة بليغهما
٨ - ﴿ قل ما كنت بدعا من الرسل ﴾ البدع من كل شيء المبدأ : أي ما أنا بأول رسول قد بعث الله قبلي كثيرا من الرسل قيل البدع بمعنى البديع كالخف والخفيف والبديع ما لم ير له مثل من الابتداع وهو الاختراع وشيء بدع بالكسر : أي مبتدع وفلان بدع في هذا الأمر : أي بديع كذا قال الأخفش وأنشد قطرب :

( فما أنا بدع من حوادث تعتري رجالا غدت من بعد موسى وأسعدا )
وقرأ عكرمة وأبو حيوة وابن أبي عبلة ﴿ بدعا ﴾ بفتح الدال على تقدير حذف المضاف : أي ما كنت ذا بدع وقرأ مجاهد بفتح الباب وكسر الدال على الوصف ﴿ وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ﴾ أي ما يفعل بي فيما يستقبل من الزمان هل أبقى في مكة أو أخرج منها ؟ وهل أموت أو أقتل ؟ وهل تعجل لكم العقوبة أم تمهلون ؟ وهذا إنما هو في الدنيا وأما في الآخرة فقد علم أنه وأمته في الجنة وأن الكافرين في النار وقيل إن المعنى : ما أدري ما يفعل بي ولا يكم يوم القيامة وإنها لما نزلت فرح المشركون وقالوا : كيف نتبع نبيا لا يدري ما يفعل به ولا بنا وأنه لا فضل له علينا ؟ فنزل قوله تعالى :﴿ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ﴾ والأول أولى ﴿ إن أتبع إلا ما يوحى إلي ﴾ قرأ الجمهور ﴿ يوحى ﴾ مبينا للمفعول : أي ما أتبع إلا القرآن ولا أبتدع من عندي شيئا والمعنى : قصر أفعاله صلى الله عليه و سلم على الوحي لا قصر اتباعه على الوحي ﴿ وما أنا إلا نذير مبين ﴾ أي أنذركم عقاب الله وأخوفكم عذابه على وجه الايضاح
وقد أخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريف أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس ﴿ أو أثارة من علم ﴾ قال : الخط قال سفيان : لا أعلم إلا عن النبي صلى الله عليه و سلم يعني أن الحديث مرفوع لا موقوف على ابن عباس وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ كان نبي من الأنبياء يخط فمن صادف مثل خطه علم ] ومعنى هذا ثابت في الصحيح ولأهل العلم فيه تفاسير مختلفة ومن أين لنا أن هذه الخطوط الرملية موافقة لذلك الخط وأين السند الصحيح إلى ذلك النبي أو إلى نبينا صلى الله عليه و سلم أن هذا الخط هو على صورة كذا فليس ما يفعله أهل الرمل إلا جهالات وضلالات وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم :﴿ أو أثارة من علم ﴾ قال : حسن الخط وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم من طريق الشعبي عن ابن عباس :﴿ أو أثارة من علم ﴾ قال : خط كان يخطه العرب في الأرض وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ أو أثارة من علم ﴾ يقول : بينة من الأمر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في قوله :﴿ قل ما كنت بدعا من الرسل ﴾ يقول لست بأول الرسل ﴿ وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ﴾ فأنزل الله بعد هذا ﴿ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ﴾ وقوله :﴿ ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات ﴾ الآية فأعلم سبحانه نبيه ما يفعل به وبالمؤمنين جميا وأخرج أبو داود في ناسخه عنه أيضا أن هذه الآية منسوخة بقوله :﴿ ليغفر لك الله ﴾ وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث أم العلاء قالت :[ لما مات عثمان بن مظعون قلت : رحمك الله أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : وما يدريك أن الله أكرمه ؟ أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم قالت أم العلاء : فوالله لا أزكي بعده أحدا ]


الصفحة التالية
Icon