قوله : ١٦ - ﴿ ألم يأن للذين آمنوا ﴾ يقال أنى لك يأنى أنى : إذا حان قرأ الجمهور ﴿ ألم يأن ﴾ وقرأ الحسن وأبو السماك ألما يأن وأنشد ابن السكيت :

( ألما يأن لي أن تجلى عمايتي وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا )
و ﴿ أن تخشع قلوبهم ﴾ فاعل يأن : أي ألم يحضر خشوع قلوبهم ويجيء وقته ومنه قول الشاعر :
( ألم يأن لي قلب أن أترك الجهلا وأن يحدث الشيب المنير لنا عقلا )
هذه الآية نزلت في المؤنين قال الحسن : يستبطئهم وهم أحب خلقه إليه وقيل إن الخطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد قال الزجاج : نزلت في طائفة من المؤمنين حثوا على الرقة والخشوع فأما من وصفهم الله بالرقة والخشوع فطبقة فوق هؤلاء وقال السدي وغيره : المعنى ألم يأن للذين آمنوا في الظاهر وأسروا الكفر أن تخشع قلوبهم ﴿ لذكر الله ﴾ وسيأتي في آخر البحث ما يقوي قول من قال إنها نزلت في المسلمين والخشوع لين القلب ورقته والمعنى : أنه ينبغي أن يورثهم الذكر خشوعا ورقة ولا يكونوا كمن لا يلين قلبه للذكر ولا يخشع له ﴿ وما نزل من الحق ﴾ معطوف على ذكر الله والمراد بما نزل من الحق القرآن فيحمل الذكر المعطوف عليه على ما عداه مما فيه ذكر الله سبحانه باللسان أو خطور بالقلب وقيل المراد بالذكر هو القرآن فيكون هذا العطف من باب عطف التفسير أو باعتبار تغير المفهومين قرأ الجمهور ﴿ نزل ﴾ مشددا مبنيا للفاعل وقرأ نافع وحفص بالتخفيف مبنيا للفاعل وقرأ ابن مسعود أنزل مبنيا للفاعل ﴿ ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل ﴾ قرأ الجمهور بالتحتية على الغيبة جريا على ما تقدم وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة بالفوقية على [ الخطاب ] التفاتا وبها قرأ عيسى وابن إسحاق والجملة معطوفة على تخشع : أي ألم يأن لهم أن تخشع قلوبهم ولا يكونوا والمعنى : النهي لهم عن أن يسلكوا سبيل اليهود والنصارى الذين أوتوا التوراة والإنجيل من قبل نزول القرآن ﴿ فطال عليهم الأمد ﴾ أي طال عليهم الزمان بينهم وبين أنبيائهم قرأ الجمهور الأمد بتخفيف الدال وقرأ ابن كثير في رواية عنه بتشديدها : أي الزمن الطويل وقيل المراد بالأمد على القراءة الأولى الأجل والغاية يقال أمد فلان كذا : أي غايته ﴿ فقست قلوبهم ﴾ بذلك السبب فلذلك حرفوا وبدلوا فهنى الله سبحانه أمة محمد صلى الله عليه و سلم أن يكونوا مثلهم ﴿ وكثير منهم فاسقون ﴾ أي خارجون عن طاعة الله لأنهم تركوا العمل بما أنزل إليهم وحرفوا وبدلوا ولم يؤمنوا بما نزل على محمد صلى الله عليه و سلم وقيل هم الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد صلى الله عليه و سلم وقيل هم الذين ابتعدوا الرهبانية وهم أصحاب الصوامع


الصفحة التالية
Icon