١٢ - ﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ﴾ أي جمعوا بين التوحيد والاستقامة على الشريعة وقد تقدم تفسير هذا في سورة السجدة ﴿ فلا خوف عليهم ﴾ الفاء زائدة في خبر الموصول لما فيه من معنى الشرط ﴿ ولا هم يحزنون ﴾ المعنى : أنهم لا يخافون من وقوع مكروه بهم ولا يحزنون من فوات محبوب وأن ذلك مستمر دائم
١٣ - ﴿ أولئك أصحاب الجنة ﴾ أي أولئك الموصوفون بما ذكر أصحاب الجنة التي هي دار المؤمنين حال كونهم ﴿ خالدين فيها ﴾ وفي هذه الآية من الترغيب أمر عظيم فإن نفي الخوف والحزن على الدوام والاستقرار في الجنة على الأبد مما لا تطلب الأنفس سواه ولا تتشوف إلى ما عداه ﴿ جزاء بما كانوا يعملون ﴾ أي يجزون جزاء بسبب أعمالهم التي عملوها من الطاعات لله وترك معاصيه
١٤ - ﴿ ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ﴾ قرأ الجمهور ﴿ حسنا ﴾ بضم الحاء وسكون السين وقرأ علي والسلمي بفتحهما وقرأ ابن عباس والكوفيون ﴿ إحسانا ﴾ وقد تقدم في سورة العنكبوت ﴿ ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ﴾ من غير اختلاف بين القراء وتقدم في سورة الأنعام وسورة بني إسرائيل ﴿ وبالوالدين إحسانا ﴾ فلعل هذا هو وجه اختلاف القراء في هذه الآية وعلى جميع هذه القراءات فانتصابه على المصدرية : أي وصيناه أن يحسن إليهما حسنا أو إحسانا وقيل على أنه مفعول به بتضمين وصينا معنى ألزمنا وقيل على أنه مفعول له ﴿ حملته أمه كرها ووضعته كرها ﴾ قرأ الجمهور ﴿ كرها ﴾ في الموضعين بضم الكاف وقرأ أبو عمر وأهل الحجاز [ بفتحها ] قال الكسائي : وهما لغتان بمعنى واحد قال أبو حاتم : الكره بالفتح لا يحسن لأنه الغضب والغلبة واختار أبو عبيد قراءة الفتح قال : لأن لفظ الكره في القرآن كله بالفتح إلا التي في سورة البقرة ﴿ كتب عليكم القتال وهو كره لكم ﴾ وقيل إن الكره بالضم ما حمل الإنسان على نفسه وبالفتح ما حمل على غيره وإنما ذكر سبحانه حمل الأم ووضعها تأكيدا لوجوب الإحسان إليها الذي وصى الله به والمعنى : أنها حملته ذات كره ووضعته ذات كره ثم بين سبحانه مدة حمله وفصاله فقال :﴿ حمله وفصاله ثلاثون شهرا ﴾ أي مدتهما هذه المدة من عند ابتداء حمله إلى أن يفصل من الرضاع : أي يفطم عنه وقد استدل بهذه الآية على أن أقل الحمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع سنتان : أي مدة الرضاع الكامل كما في قوله :﴿ حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ﴾ فذكر سبحانه في هذه الآية أقل مدة الحمل وأكثر مدة الرضاع وفي هذه الآية إشارة إلى أن حق الأم آكد من حق الأب لأنها حملته بمشقة ووضعته بمشقة وأرضعته هذه المدة بتعب ونصب ولم يشاركها الأب في شيء من ذلك قرأ الجمهور ﴿ وفصاله ﴾ بالألف وقرأ الحسن ويعقوب وقتادة والجحدي ﴿ وفصاله ﴾ بفتح الفاء وسكون الصاد بغير ألف والفصل والفصال بمعنى : كالفطم والفطام والقطف والقطاف ﴿ حتى إذا بلغ أشده ﴾ أي بلغ استحكام قوته وعقله وقد مضى تحقيق الأشد مستوفى ولا بد من تقدير جملة تكون حتى غاية لها : أي عاش واستمرت حياته حتى بلغ أشده قيل بلغ عمره ثماني عشرة سنة وقيل الأشد الحلم قاله الشعبي وابن زيد وقال الحسن : هو بلوغ الأربعين والأول أولى لقوله :﴿ وبلغ أربعين سنة ﴾ فإن هذا يفيد أن بلوغ الأربعين هو شيء وراء بلوغ الأشد قال المفسرون : لم يبعث الله نبيا قط إلا بعد أربعين سنة ﴿ قال رب أوزعني ﴾ أي ألهمني قال الجوهري : استوزعت الله فأوزعني : أي استلهمته فألهمني ﴿ أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي ﴾ أي ألهمني شكر ما أنعمت به علي من الهداية وعلى والدي من التحنن علي منهما حين ربياني صغيرا وقيل أنعمت علي بالصحة والعافية وعلى والدي بالغنى والثروة والأولى عدم تقييد النعمة عليه وعلى أبويه بنعمة مخصوصة ﴿ وأن أعمل صالحا ترضاه ﴾ أي وألهمني أن أعمل عملا صالحا ترضاه مني ﴿ وأصلح لي في ذريتي ﴾ أي اجعل ذريتي صالحين راسخين في الصلاح متمكنين منه وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي لمن بلغ عمره أربعين سنة أن يستكثر من هذه الدعوات وقد روي أنها نزلت في أبي بكر كما سيأتي في آخر البحث ﴿ إني تبت إليك ﴾ من ذنوبي ﴿ وإني من المسلمين ﴾ أي المستسلمين لك المنقادين لطاعتك المخلصين لتوحيدك