والإشارة بقوله : ١٥ - ﴿ أولئك ﴾ إلى الإنسان المذكور والجمع لأنه يراد به الجنس وهو مبتدأ وخبره ﴿ الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ﴾ من أعمال الخير في الدنيا والمراد بالأحسن الحسن كقوله :﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم ﴾ وقيل إن اسم التفضيل على معناه ويراد به ما يثاب العبد عليه من الأعمال لا ما لا يثاب عليه كالمباح فإنه حسن وليس بأحسن ﴿ ونتجاوز عن سيئاتهم ﴾ فلا نعاقبهم عليها قرأ الجمهور ﴿ يتقبل ﴾ و ﴿ نتجاوز ﴾ على بناء الفعلين للمفعول وقرأ حمزة والكسائي بالنون فيهما على إسنادهما إلى الله سبحانه والتجاوز الغفران وأصله من جزت الشيء : إذا لم تقف عليه ومعنى ﴿ في أصحاب الجنة ﴾ أنهم كائنون في عدادهم منتظمون في سلكهم فالجار والمجرور في محل النصب على الحال كقولك : أكرمني الأمير في أصحابه : أي كائنا في جملتهم وقيل إن في بمعنى مع : أي مع أصحاب الجنة وقيل إنهما خبر مبتدأ محذوف : أي هم في أصحاب الجنة ﴿ وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ﴾ ووعد الصدق مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة لأن قوله :﴿ أولئك الذين نتقبل عنهم ﴾ الخ في معنى الوعد بالتقبل والتجاوز ويجوز أن يكون مصدر الفعل محذوف أي وعدهم الله وعد الصدق الذي كانوا يوعدون به على ألسن الرسل في الدنيا
وقد أخرج أبو يعلى وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه عن عوف بن مالك الأشجعي قال :[ انطلق النبي صلى الله عليه و سلم وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم فكرهوا دخولنا عليهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا منكم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يحط الله يحط الله تعالى عن كل يهودي تحت أديهم السماء الغضب الذي عليه ] فسكتوا فما أجابه منهم أحد ثم رد عليهم فلم يجبه أحد ثلاثا فقال : أبيتم فوالله لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا المقفي آمنتم أو كذبتم ثم انصرف وأنا معه حتى كدنا أن نخرج فإذا رجل من خلقه فقال : كما أنت يا محمد فأقبل فقال ذلك الرجل : أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود فقالوا والله ما نعلم فينا رجلا أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك ولا من أبيك ولا من جدك قال : فإني أشهد بالله أنه النبي الذي تجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل قالوا كذبت ثم ردوا عليه وقالوا شرا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كذبتم لن يقبل منكم قولكم فخرجنا ونحن ثلاثة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا وابن سلام فأنزل الله ﴿ قل أرأيتم إن كان من عند الله ﴾ إلى قوله :﴿ لا يهدي القوم الظالمين ﴾ وصححه السيوطي وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص قال : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام وفيه نزلت ﴿ وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ﴾ وأخرج الترمذي وابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن سلام قال : نزل في آيات من كتاب الله نزلت في ﴿ وشهد شاهد من بني إسرائيل ﴾ ونزل في ﴿ قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ﴾ وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ﴿ وشهد شاهد من بني إسرائيل ﴾ قال عبد الله بن سلام وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين وفيه دليل على أن هذه الآية مدنية فيخصص بها عموم قولهم إن سورة الأحقاف كلها مكية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : قال ناس من المشركين نحن أعز ونحن ونحن فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان فنزل ﴿ وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ﴾ وأخرج ابن المنذر عن عون بن أبي شداد قال : كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله : يقال لها زنيرة وكان عمر يضربها على الإسلام وكان كفار قريش يقولون : لو كان خيرا ما سبقتنا إليه زنيرة فأنزل الله في شأنها ﴿ وقال الذين كفروا ﴾ الآية وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ بنو غفار وأسلم كانوا لكثير من الناس فتنة يقولون لو كان خيرا ما جعلهم الله أول الناس فيه ] وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزل قوله :﴿ ووصينا الإنسان بوالديه ﴾ الآية إلى قوله :﴿ وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ﴾ في أبي بكر الصديق وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن نافع بن جبير أن ابن عباس أخبره قال : إني لصاحب المرأة التي أتى بها عمر وضعت لستة أشهر فأنكر الناس ذلك فقلت لعمر : لم تظلم ؟ قال كيف ؟ قلت اقرأ ﴿ وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ﴾ ﴿ والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ﴾ كم الحول ؟ قال سنة قلت : كم السنة ؟ قال إثنا عشر شهرا قلت فأربعة وعشرون شهرا حولان كاملان ويؤخر الله من الحمل ما شاء ويقدم ما شاء فاستراح عمر إلى قولي وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أنه كان يقول : إذا ولدت المرأة لتسعة أشهر كفاها من الرضاع أحد وعشرون شهرا وإذا ولدت لسبعة أشهر كفاها من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرا وإذا وضعت لستة أشهر فحولان كاملان لأن الله يقول :﴿ وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ﴾ وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال : أنزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق ﴿ حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني ﴾ الآية فاستجاب الله له فأسلم والده جميعا وإخوته وولده كلهم ونزلت فيه أيضا ﴿ فأما من أعطى واتقى ﴾ إلى آخر السورة


الصفحة التالية
Icon