٥ - ﴿ ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ﴾ قال الزجاج : لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على حق فيفتنوا بذلك وقال مجاهد : لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا ﴿ واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز ﴾ أي الغالب الذي لا يغالب ﴿ الحكيم ﴾ ذو الحكمة البالغة
٦ - ﴿ لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ﴾ أي لقد كان لكم في إبراهيم والذين معه قدوة حسنة وكرر هذا للمبالغة والتأكيد وقيل إنهذا نزل بعد الأول بمدة ﴿ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ﴾ بدل من قوله لكم بدل بعض من كل والمعنى : أن هذه الأسوة إنما تكون لمن يخاف الله ويخاف عقاب الآخرة أو يطمع في الخير من الله في الدنيا وفي الآخرة ﴿ ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ﴾ أي يعرض عن ذلك فإن الله هو الغني عن خلقه الحميد إلى أوليائه
٧ - ﴿ عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ﴾ وذلك بأن يسلموا فيصيروا من أهل دينكم وقد أسلم قوم منهم بعد فتح مكة وحسن إسلامهم ووقعت بينهم وبين من تقدمهم في الإسلام مودة وجاهدوا وفعلوا الأفعال المقربة إلى الله وقيل المراد بالمودة هنا تزويج النبي صلى الله عليه و سلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان ولا وجه لهذا التخصيص وإن كان من جملة ما صار سببا إلى المودة فإن أبا سفيان بعد ذلك ترك ما كان عليه من العداوة لرسول الله صلى الله عليه و سلم ولكنها لم تحصل المودة إلا بإسلامه يوم الفتح وما بعده ﴿ والله قدير ﴾ أي بليغ القدرة كثيرها ﴿ والله غفور رحيم ﴾ أي بليغهما كثيرهما
ثم لما ذكر سبحانه ما ينبغي للمؤمنين من معاداة الكفار وترك موادتهم فصل القول فيمن يجوز بره منهم ومن لا يجوز فقال : ٨ - ﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ﴾ أي لا ينهاكم عن هؤلاء ﴿ أن تبروهم ﴾ هذا بدل من الموصول بدل اشتمال وكذا قوله :﴿ وتقسطوا إليهم ﴾ يقال أقسطت إلى الرجل : إذا عاملته بالعدل قال الزجاج : المعنى وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد ﴿ إن الله يحب المقسطين ﴾ أي العادلين ومعنى الآية : أن الله سبحانه لا ينهى عن بر أهل العهد من الكفار الذين عاهدوا المؤمنين على ترك القتال وعلى أن لا يظاهروا الكفار عليهم ولا ينهى عن معاملتهم بالعدل قال ابن زيد : كان هذا في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتار ثم نسخ قال قتادة : نسختها ﴿ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ﴾ وقيل هذا الحكم كان ثابتا في الصلح بين النبي صلى الله عليه و سلم وبين قريش فلما زال الصلح بفتح مكة نسخ الحكم وقيل هي خاصة في حلفاء النبي صلى الله عليه و سلم ومن بينه وبينه عهد قاله الحسن وقال الكلبي : هم خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناف وقال مجاهد : هي خاصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا وقيل هي خاصة بالنساء والصبيان وحكى القرطبي عن أكثر أهل التأويل أنها محكمة


الصفحة التالية
Icon