لما ذكر سبحانه قبائح المنافقين رجع إلى خطاب المؤمنين مرغبا لهم في ذكره فقال : ٩ - ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ﴾ فحذرهم عن أخلاق المنافقين الذي ألهتهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله ومعنى لا تلهكم : لا تشغلكم والمراد بالذكر فرائض الإسلام قاله الحسن وقال الضحاك : الصلوات الخمس وقيل قراءة القرآن وقيل هو خطاب للمنافقين ووصفهم بالإيمان لكونهم آمنوا ظاهرا والأول أولى ﴿ ومن يفعل ذلك ﴾ أي يلتهي بالدنيا عن الدين ﴿ فأولئك هم الخاسرون ﴾ أي الكاملون في الخسران
١٠ - ﴿ وأنفقوا من ما رزقناكم ﴾ الظاهر أن المراد الإنفاق في الخر على عمومه ومن للتبعيض أي أنفقوا بعض ما رزقناكم في سبيل الخير وقيل المراد الزكاة المفروضة ﴿ من قبل أن يأتي أحدكم الموت ﴾ بأن تنزل به أسبابه ويشاهد حضور علاماته وقدم المفعول على الفاعل للاهتمام ﴿ فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب ﴾ أي يقول عند نزول ما نزل به مناديا لربه هلا أمهلتني وأخرت موتي إلى أجل قريب : أي أمد قصير ﴿ فأصدق ﴾ أي فأتصدق بمالي ﴿ وأكن من الصالحين ﴾ قرأ الجمهور ﴿ فأصدق ﴾ بإدغام التاء في الصاد وانتصابه على أنه جواب التمني وقيل إن لا في لولا زائدة والأصل لو أخرتني وقرأ أبي وابن مسعود وسعيد بن جبير فأتصدق بدون إدغام على الأصل وقرأ الجمهور ﴿ وأكن ﴾ بالجزم على محل على موضع فأصدق لأنه على معنى إن أخرتني أصدق وأكن وكذا قال أبو علي الفارسي وابن عطية وغيرهم وقال سيبويه حاكيا عن الخليل : إنه جزم على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني وجعل سيبويه هذا نظير قول زهير :
( بدا لي أني لست مدرك ما مضى | ولا سابق شيئا إذا كان حاثيا ) |