ثم امتن سبحانه على عباده فقال : ١٥ - ﴿ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا ﴾ أي سهلة لينة تستقرون عليها ولم يجعلها خشنة بحيث يمتنع عليكم السكون فيها والمشي عليها والذلول في الأصل : هو المنقاد الذي يذل لك ولا يستصعب عليك والمصدر الذل والفاء في قوله :﴿ فامشوا في مناكبها ﴾ لترتيب الأمر بالمشي على الجعل المذكور والأمر للإباحة قال مجاهد والكلبي ومقاتل : مناكبها طرقها وأطرافها وجوانبها وقال قتادة وشهر بن حوشب : مناكبها جبالها وأصل المنكب الجانب ومنه منكب الرجل ومنه الريح النكباء لأنها تأتي من جانب دون جانب ﴿ وكلوا من رزقه ﴾ أي مما رزقكم وخلقه لكم في الأرض ﴿ وإليه النشور ﴾ أي وغليه البعث من قبوركم لا إلى غيره وفي هذا وعيد شديد
ثم خوف سبحانه الكفار فقال : ١٦ - ﴿ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ﴾ قال الواحدي قال المفسرون : يعني عقوبة من في السماء وقيل من في السماء : قدرته وسلطانه وعرشه وملائكته وقيل من في السماء من الملائكة وقيل المراد جبريل ومعنى ﴿ أن يخسف بكم الأرض ﴾ يقلعها ملتبسة بكم كما فعل بقارون بعد ما جعلها لكم ذلولا تمشون في مناكبها وقوله :﴿ أن يخسف ﴾ بدل اشتمال من الموصول : أي أأمنتم خسفه أو على حذف من : أي من أن يخسف ﴿ فإذا هي تمور ﴾ أي تضطرب وتتحرك على خلاف ما كانت عليه من السكون قرأ الجمهور ءأمنتم بهمزتين وقرأ البصريون والكوفيون بالتخفيف وقرأ ابن كثير بقلب الأولى واوا
ثم كرر سبحانه التهديد لهم بوجه آخر فقال : ١٧ - ﴿ أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ﴾ أي حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل وقيل سحاب فيها حجارة وقيل ريح فيها حجارة ﴿ فستعلمون كيف نذير ﴾ أي إنذاري إذا عانيتم العذاب ولا ينفعكم هذا العلم وقيل النذير هنا محمد صلى الله عليه و سلم قاله عطاء والضحاك والمعنى : ستعلمون رسولي وصدقه والأول أولى والكلام ﴿ أن يرسل عليكم حاصبا ﴾ كالكلام في ﴿ أن يخسف بكم الأرض ﴾ فهو إما بدل اشتمال أو بتقدير من


الصفحة التالية
Icon