٢٣ - ﴿ قل هو الذي أنشأكم ﴾ أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه و سلم أن يخبرهم بأن الله هو الذي أنشأهم النشأة الأولى ﴿ وجعل ﴾ لهم ﴿ السمع ﴾ ليسمعوا به ﴿ والأبصار ﴾ ليبصروا بها ووجه إفراد السمع مع جمع الأبصار أنه مصدر يطلق على القليل والكثير وقد قدمنا بيان هذا في مواضع مع زيادة في البيان ﴿ والأفئدة ﴾ القلوب التي يتفكرون بها في مخلوقات الله فذكر سبحانه هاهنا أنه قد جعل لهم ما يدركون به المسموعات والمبصرات والمعقولات إيضاحا للحجة وقطعا للمعذرة وذما لهم على عدم شكر نعم الله ولهذا قال :﴿ قليلا ما تشكرون ﴾ وانتصاب قليلا على أنه نعت مصدر محذوف وما مزيدة للتأكيد : أي شكرأ قليلا أو زمانا قليلا وقيل أراد بقلة الشكر عدم وجوده منهم قال مقاتل : يعني أنكم لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه
٢٤ - ﴿ قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ﴾ أمر الله رسوله صلى الله عليه و سلم بأن يخبرهم أن الله هو الذي خلقهم في الأرض ونشرهم فيها وفرقهم على ظهرها وأن حشرهم للجزاء إليه لا إلى غيره
ثم ذكر سبحانه أنهم يستعجلون العذاب فقال : ٢٥ - ﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ أي متى هذا الوعد الذي تذكرونه لنا من الحشر والقيامة والنار والعذاب إن كنتم صادقين في ذلك والخطاب منهم للنبي صلى الله عليه و سلم ولمن معه من المؤمنين وجواب الشرط محذوف والتقدير إن كنتم صادقين فأخبرونا به أو فبينوه لنا وهدا منهم استهزاء وسخرية
ثم لما قالوا هذا القول أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه و سلم أن يجيب عليهم فقال : ٢٦ - ﴿ قل إنما العلم عند الله ﴾ أي إن وقت قيام الساعة علمه عند الله لا يعلمه غيره ومثله قوله :﴿ قل إنما علمها عند ربي ﴾ ثم أخبرهم أنه مبعوث للإنذار لا للإخبار بالغيب فقال :﴿ وإنما أنا نذير مبين ﴾ أنذركم وأخوفكم عاقبة كفركم وأبين لكم ما أمرني الله بيانه
ثم ذكر الله سبحانه حالهم عند معاينة العذاب فقال : ٢٧ - ﴿ فلما رأوه زلفة ﴾ يعني رأوا العذاب قريبا وزلفة مصدر بمعنى الفاعل : أي مزدلفا أو حال من مفعول رأوا بتقدير مضاف : أي ذا زلفة وقرب أو ظرف : أي رأوه في مكان ذي زلفة قال مجاهد : أي قريبا وقال الحسن : عيانا قال أكثر المفسرين : المراد عذاب يوم القيامة وقال مجاهد : المراد عذاب بدر وقيل رأوا ما وعدوا به من الحش قريبا منهم كما يدل عليه قوله :﴿ وإليه تحشرون ﴾ وقيل لما رأوا عملهم السيء قريبا ﴿ سيئت وجوه الذين كفروا ﴾ أي اسودت وعلتها الكآبة وغشيتها الذلة يقال ساء الشيء يسوء فهو سيىء إذا قبح قال الزجاج : المعنى تبين فيها السوء : أي ساءهم ذلك العذاب فظهر عليهم بسببه في وجوههم ما يدل على كفرهم كقوله :﴿ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ﴾ قرأ الجمهور بكسر السين بدون إشمام وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وابن محيصن بالإشمام ﴿ وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ﴾ أي قيل لهم توبيخا وتقريعا هذا المشاهد الحاضر من العذاب هو العذاب الذي كنتم به تدعون في الدنيا : أي تطلبونه وتستعجلون به استهزاء على أن معنى تدعون الدعاء قال الفراء : تدعون من الدعاء : أي تتمنون وتسألون وبهذا قال الأكثر من المفسرين وقال الزجاج : هذا الذي كنتم به تدعون الأباطيل والأحاديث وقيل معنى تدعون : تكذبون وهذا على قراءة الجمهور ﴿ تدعون ﴾ بالتشديد فهو إما من الدعاء كما قال الأكثر أو من الجعوى كما قال الزجاج ومن وافقه والمعنى : أنهم كانوا يدعون أنه لا بعث ولا حشر ولا جنة ولا نار وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق ويعقوب والضحاك :﴿ تدعون ﴾ مخففا ومعناها ظاهر قال قتادة : هو قولهم ﴿ ربنا عجل لنا قطنا ﴾ وقال الضحاك : هو قولهم ﴿ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ﴾ الآية قال النحاس : تدعون وتدعون بمعنى واحد كما تقول قدر واقتدر وغدا واغتدى إلا أن أفعل معناه مضى شيئا بعد شيء وفعل يقع على القليل والكثير