ثم وبخهم الله فقال : ٣٦ - ﴿ ما لكم كيف تحكمون ﴾ هذا الحكم الأعوج كأن أمر الجزاء مفوض إليكم تحكمون فيها بما شئتم
٣٧ - ﴿ أم لكم كتاب فيه تدرسون ﴾ أي تقرأون فيه فتجدون المطيع كالعاصي ومثل هذا قوله تعالى :﴿ أم لكم سلطان مبين * فاتوا بكتابكم ﴾ ثم قال سبحانه :﴿ إن لكم فيه لما تخيرون ﴾ قرأ الجمهور بكسر إن على أنها معمولة لتدرسون : أي تدرسون في الكتاب
٣٨ - ﴿ إن لكم فيه لما تخيرون ﴾ فلما دخلت اللام كسرت الهمزة كقوله : علمت إنك لعاقل بالكسر أو على الحكاية للمدروس كما في قوله :﴿ وتركنا عليه في الآخرين * سلام على نوح في العالمين ﴾ وقيل قد تم الكلام عند قوله :﴿ تدرسون ﴾ ثم ابتدأ فقال :﴿ إن لكم فيه لما تخيرون ﴾ أي ليس لكم ذلك وقرأ طلحة بن مصرف والضحاك أن لكم بفتح الهمزة على أن العامل فيه تدرسون مع زيادة لام التأكيد ومعنى ﴿ تخيرون ﴾ تختارون وتشتهون
ثم زاد سبحانه في التوبيخ فقال : ٣٩ - ﴿ أم لكم أيمان علينا بالغة ﴾ أي عهود مؤكدة موثقة متناهية والمعنى أم لكم أيمان على الله استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة وقوله :﴿ إلى يوم القيامة ﴾ متعلق بالمقدر في لكم أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها حتى يحكمكم يومئذ وجواب القسم قوله :﴿ إن لكم لما تحكمون ﴾ لأن معنى ﴿ أم لكم أيمان ﴾ أي أم أقسمنا لكم قال الرازي : والمعنى أم ضمنا لكم وأقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد وقيل قد تم الكلام عند قوله :﴿ إلى يوم القيامة ﴾ ثم ابتدأ فقال :﴿ إن لكم لما تحكمون ﴾ أي ليس الأمر كذلك قرأ الجمهور ﴿ بالغة ﴾ بالرفع على النعت لأيمان وقرأ الحسن وزيد بن علي بنصبها على الحال من أيمان لأنها قد تخصصت بالوصف أو من الضمير في لكم أو من الضمير في علينا
٤٠ - ﴿ سلهم أيهم بذلك زعيم ﴾ أي سل يا محمد الكفار موبخا لهم ومقرعا أيهم بذلك الحكم الخارج عن الصواب كفيل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين فيها وقال ابن كيسان : الزعيم هنا القائم بالحجة والدعوى وقال الحسن : الزعيم الرسول
٤١ - ﴿ أم لهم شركاء ﴾ يشاركونهم في هذا القول يوافقونهم فيه ﴿ فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين ﴾ فيما يقولون وهو أم تعجيز وجواب الشرط محذوف وقيل المعنى أم لهم شركاء يجعلونهم مثل المسلمين في الآخرة
٤٢ - ﴿ يوم يكشف عن ساق ﴾ يوم ظرف لقوله فليأتوا : أي فليأتوا بها يوم يكشف عن ساق ويجوز أن يكون ظرفا لفعل مقدر : أي اذكر يوم يكشف قال الواحدي : قال المفسرون في قوله :﴿ عن ساق ﴾ عن شدة من الأمر قال ابن قتيبة : أصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجد فيه شمر عن ساقه فيستعار الكشف عن الساق في موضع الشدة وأنشد لدريد بن الصمة :

( كميش الإزار خارج نصف ساقه صبورا على الجلاء طلاع أنجد )
وقال : وتأويل الآية يوم يشتد الأمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يكشف عن ساق قال أبو عبيدة : إذا اشتد الحرب والأمر قيل كشف الأمر عن ساقه والأصل فيه من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد شمر عن ساقه فاستعير الساق والكشف عن موضع الشدة وهكذا قال غيره من أهل اللغة وقد استعملت ذلك العرب في أشعارها ومن ذلك قول الشاعر :
( أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا )
وقول الآخر :
( والخيل تعدو عند وقت الاشراق وقامت الحرب بنا على ساق )
وقول آخر أيضا :
( قد كشفت عن ساقها فشدوا وجدت الحرب بكم فجدوا )
وقول آخر أيضا في سنة :
( قد كشفت عن ساقها حمرا ء تبري اللحم عن عراقها )
وقيل ساق الشيء : أصله وقوامه كساق الشجرة وساق الإنسان : أي يوم يكشف عن ساق الأمر فتظهر حقائقه وقيل يكشف عن ساق جهنم وقيل عن ساق العرش وقيل هو عبارة عن القرب وقيل يكشف الرب سبحانه عن نوره وسيأتي في آخر البحث ما هو الحق وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل قرأ الجمهور ﴿ يكشف ﴾ بالتحية مبنيا للمفعول وقرأ ابن مسعود وابن عباس وابن أبي عبلة تكشف بالفوقية مبنيا للفاعل : أي الشدة أو الساعة وقرئ بالفوقية مبنيا للمفعول وقرئ بالنون وقرئ بالفوقية المضمومة وكسر الشين من أكشف الأمر : أي دخل في الكشف ﴿ ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ﴾ قال الواحدي : قال المفسرون : يسجد الخلق كلهم لله سجدة واحدة ويبقى الكفار والمنافقون يريدون أن يسجدوا فلا يستطيعون لأن أصلابهم تيبس فلا تلين للسجود قال الربيع بن أنس : يكشف عن الغطاء فيقع من كان آمن بالله في الدنيا فيسجدون له ويدعي الآخرون إلى السجود فلا يستطيعون لأنهم لم يكونوا آمنوا بالله في الدنيا


الصفحة التالية
Icon