١٠ - ﴿ وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ﴾ أي لا ندري أشر أريد بأهل الأرض بسبب هذه الحراسة للسماء أم أراد بهم ربهم رشدا : أي خيرا قال ابن زيد : قال إبليس : لا ندري أراد الله بهذا المنع أن ينزل على أهل الأرض عذابا أو يرسل إليهم رسولا وارتفاع أشر على الاشتغال أو على الابتداء وخيره ما بعده والأول أولى والجملة سادة مسد مفعولي ندري والأولى أن هذا من قول الجن فيما بينهم
وليس من قول إبليس كما قال ابن زيد : ١١ - ﴿ وأنا منا الصالحون ﴾ أي قال بعض لبعض لما دعوا أصحابهم إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه و سلم : وأنا كنا قبل استماع القرآن منا الموصوفون بالصلاح ﴿ ومنا دون ذلك ﴾ أي قوم دون ذلك : أي دون الموصوفين بالصلاح وقيل أراد بالصالحون المؤمنين وبمن هم دون ذلك الكافرين والأول أولى ومعنى ﴿ كنا طرائق قددا ﴾ أي جماعات متفرقة وأصنافا مختلفة والقدة : القطعة من الشيء وصار القوم قددا : إذا تفرقت أحوالهم ومنه قول الشاعر :
( القابض الباسط الهادي لطاعته... في فتنة الناس إذ أهواؤهم قدد )
والمعنى : كنا ذوي طرائق قددا أو كانت طرئقنا طرائق قددا أو كنا مثل طارئق قددا ومن هذا قول لبيد :
( لم تبلغ العين كل نهمتها... يوم تمشي الجياد بالقدد )
وقوله أيضا :
( ولقد... قلت وزيد حاسر يوم ولت خيل عمرو قددا )
قال السدي والضحاك : أديانا مختلفة وقال قتادة : أهواء متباينة وقال سعيد بن المسيب : كانوا مسلمين ويهود ونصارى ومجوس وكذا قال مجاهد قال الحسن : الجن أمثالكم قدرية ومرجئة ورافضة وشيعة وكذا قال السدي
أأأ
١٢ - ﴿ وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ﴾ الظن هنا بمعنى العلم واليقين : أي وإنا علمنا أن الشأن لن نعجز الله في الأرض أينما كنا فيها ولن نفوته إن أراد بنا أمرا ﴿ ولن نعجزه هربا ﴾ أي هاربين منها فهو مصدر في موضع الحال
١٣ - ﴿ وأنا لما سمعنا الهدى ﴾ يعنون القرآن ﴿ آمنا به ﴾ وصدقنا أنه من عند الله ولم نكذب به كما كذبت به كفرة الإنس ﴿ فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ﴾ أي لا يخاف نقصا في عمله وثوابه ولا ظلما ومكروها يغشاه والبخس النقصان والرهق العدوان والظغيان والمعنى : لا يخاف أن ينقص من حسناته ولا أن يزاد في سيئاته وقد تقدم تحقيق الرهق قريبا قرأ الجمهور ﴿ بخسا ﴾ بسكون الخاء وقرأ يحيى بن وثاب بفتحها وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش فلا يخف جزما على جواب الشرط ولا وجه لهذا بعد دخول الفاء والتقدير : فهو لا يخاف والأمر ظاهر
وقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن ابن عباس قال : انطلق النبي صلى الله عليه و سلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا : مالكم ؟ فقالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها لتعرفوا ما هذا الأمر الذي حال بينكم وبين خبر السماء فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه و سلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له قالوا : هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فناك حين رجعوا إلى قومهم ﴿ فقالوا ﴾ يا قومنا ﴿ إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ﴾ فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه و سلم ﴿ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ﴾ وإنما أوحي إليه قول الجن وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في قوله :﴿ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ﴾ قال : كانوا من جن نصيبين وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وأنه تعالى جد ربنا ﴾ قال : آلاؤه وعظمته وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أمره وقدرته وأخرج ابن مردويه والديلمي قال السيوطي بسند واه عن أبي موسى الأشعري مرفوعا في قوله :﴿ وأنه كان يقول سفيهنا ﴾ قال : إبليس وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والعقيلي في الضعفاء والطبراني وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه وابن عساكر عن عكرمة بن أبي السائب الأنصاري قال : خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة فآوانا المبيت إلى راعي غنم فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فقال : يا عامر الوادي أنا جارك فنادى مناد يا سرحان أرسله فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم وأنزل الله على رسوله بمكة ﴿ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ﴾ الآية وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ فزادوهم رهقا ﴾ قال : إثما وأخرج ابن مردويه عنه قال : كان القوم في الجاهلية إذا نزلوا بالوادي قالوا : نعوذ بسيد هذا الوادي من شر ما فيه فلا يكون بشيء أشد ولعا منهم بهم ذلك قوله :﴿ فزادوهم رهقا ﴾ وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال : كانت الشياطين لهم مقاعد في السماء يسمعون فيها الوحي فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا فأما الكلمة فتكون حقا وأما ما زادوا فيكون باطلا فلما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم منعوا مقاعدهم فذكروا ذلك لإبليس ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك فقال لهم : ما هذا إلا من أمر قد حدث في الأرض فبعث جنوده فوجدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم قائما يصلي بين جبلين بمكة فأتوه فأخبروه فقال : هذا الحدث الذي حدث في الارض وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ﴾ يقول : منا المسلم ومنا المشرك و ﴿ كنا طرائق قددا ﴾ أهواء شتى وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ﴿ فلا يخاف بخسا ولا رهقا ﴾ قال : لا يخاف نقصا من حسناته ولا زيادة في سيئاته


الصفحة التالية
Icon