قوله : ١٤ - ﴿ وأنا منا المسلمون ﴾ هم الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه و سلم ﴿ ومنا القاسطون ﴾ أي الجائرون الظالمون الذين حادوا عن طريق الحق ومالوا إلى طريق الباطل يقال قسط : إذا جار وأقسط : إذا عدل ﴿ فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ﴾ أي قصدوا طريق الحق قال الفراء : أموا الهدى
١٥ - ﴿ وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ﴾ أي وقودا للنار توقد بهم كما توقد بكفرة الإنس
١٦ - ﴿ وألو استقاموا على الطريقة ﴾ هذا ليس من قول الجن بل هو معطوف على ﴿ أنه استمع نفر من الجن ﴾ والمعنى : وأوحى إلي أن الشأن لو استقام الجن أو الإنس أو كلاهما على الطريقة وهي طريقة الإسلام وقد قدمنا أن القراءة اتفقوا على فتح أن ههنا قال ابن الأنباري : والفتح هنا على إضمار يمين تأويلها والله أن لو استقاموا علىالطريقة كما فعل يقال في الكلام والله لو قمت لقمت كما في قول الشاعر :

( أما والله أن لو كنت حرا ولا بالحر أنت ولا العتيق )
قال : أو على ﴿ أوحي إلي أنه استمع ﴾ ﴿ وألو استقاموا ﴾ أو على ﴿ آمنا به ﴾ : أي آمنا به وبأن لو استقاموا قرأ الجمهور بكسر الواو من لو لالتقاء الساكنين وقرأ ابن وثاب والأعمش بضمها ﴿ لأسقيناهم ماء غدقا ﴾ أي كثيرا واسعا قال مقاتل : ماء كثيرا من السماء وذلك بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين وقال ابن قتيبة : المعنى لو آمنوا جميعا لوسعنا عليهم في الدنيا وضرب الماء الغدق مثلا لأن الخير كله والرزق بالمطر وهذا كقوله :﴿ ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا ﴾ الآية وقوله :﴿ ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ﴾ وقوله :﴿ استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ﴾ الآية وقيل المعنى : وأن لو استقام أوبهم على عبادته وسجد لآدم ولم يكفر وتبعه ولده على الإسلام لأنعمنا عليهم واختار هذا الزجاج والماء الغدق : هو الكثير في لغة العرب
١٧ - ﴿ لنفتنهم فيه ﴾ أي لنختبرهم فنعلم كيف شكرهم على تلك النعم وقال الكلبي : المعنى وأن لو استقاموا على الطريقة التي هم عليها من الكفر فكانوا كلهم كفارا لأوسعنا أرزاقهم مكرا بهم واستدراجا حتى يفتنوا بها فنعذبهم في الدنيا والآخرة وبه قال الربيع بن أنس وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن والثمالي ويمان بن زيان وابن كيسان وأبو مجلز واستدلوا بقوله :﴿ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ﴾ وقوله ﴿ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ﴾ الآية والأول أولى ﴿ ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ﴾ أي ومن يعرض عن القرآن أو عن العبادة أو عن الموعظة أو عن جميع ذلك يسلكه : أي يدخله عذابا صعدا : أي شاقا صعبا قرأ الجمهور ﴿ نسلكه ﴾ بالنون مفتوحة وقرأ الكوفيون وأبو عمرو في رواية عنه بالياء التحتية واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله :﴿ عن ذكر ربه ﴾ ولم يقل عن ذكرنا وقرأ مسلم بن جندب وطلحة بن مصرف والأعرج بضم النون وكسر اللام من أسلكه وقراءة الجمهور من سلكه والصعد في اللغة المشقة تقول تصعد بي الأمر : إذا شق عليك وهو مصدر صعد يقال صعد صعدا وصعودا فوصف به العذاب مبالغة لأنه يتصعد المعذب : أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه قال أبو عبيد : الصعد مصدر : أي عذابا ذا صعد وقال عكرمة : الصعد هو صخرة ملساء في جهنم يكلف صعودها فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم كما في قوله :﴿ سأرهقه صعودا ﴾ والصعود العقبة الكئود


الصفحة التالية
Icon