١٨ - ﴿ وأن المساجد لله ﴾ قد قدمنا اتفاق القراء هنا على الفتح فهو معطوف على أنه استمع : أي وأوحي إلي أن المساجد مختصة بالله وقال الخليل : التقدير ولأن المساجد والمساجد : المواضع التي بنيت للصلاة فيها قال سعيد بن جبير : قالت الجن كيف لنا أن نأتي المساجد ونشهد معك الصلاة ونحن ناءون عنك ؟ فنزلت وقال الحسن : أراد بها كل البقاع لأن الأرض كلها مسجد وقال سعيد بن المسيب وطلق بن حبيب : أراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها العبد وهي القدمان والركبتان واليدان والجبهة يقول هذه أعضاء أنعم الله بها عليك فلا تسجد بها لغيره فتجحد نعمة الله وكذا قال عطاء وقيل المساجد هي الصلاة لأن السجود من جملة أركانها قاله الحسن ﴿ فلا تدعو مع الله أحدا ﴾ من خلقه كائنا ما كان
١٩ - ﴿ وأنه لما قام عبد الله ﴾ قد قدمنا أن الجمهور قرأوا هنا بفتح أن عطفا على أنه استمع : أي وأوحى إلي أن الشأن لما قام عبد الله وهو النبي صلى الله عليه و سلم ﴿ يدعوه ﴾ أي يدعوا الله ويعبده وذلك ببطن نخلة كما تقدم حين قام رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي ويتلوا القرآن وقد قدمنا أيضا قراءة من قرأ بكسر إن هنا وفيها غموض وبعد عن المعنى المراد ﴿ كادوا يكونون عليه لبدا ﴾ أي كاد الجن يكونون على رسول الله لبدا : أي متراكمين من ازدحامهم عليه لسماع القرآن منه قال الزجاج : ومعنى لبدا : يركب بعضهم بعضا ومن هذا اشتقاق هذه اللبود التي تفرش قرأ الجمهور ﴿ لبدا ﴾ بكسر اللام وفتح الباء وقرأ مجاهد وابن محيصن وهشام بضم اللام وفتح الباء وقرأ أبو حيوة ومحمد بن السميفع والعقيلي والجحدري بضم الباء واللام وقرأ الحسن وأبو العالية والأعرج بضم اللام وتشديد الباء مفتوحة فعلى القراءة الأولى المعنى ما ذكرناه وعلى قراءة ضم اللام يكون المعنى كثيرا كما في قوله :﴿ أهلكت مالا لبدا ﴾ وقيل المعنى : كاد المشركون يركب بعضهم بعضا حردا على النبي صلى الله عليه و سلم وقال الحسن وقتادة وابن زيد : لما قام عبد الله محمد بالدعوة تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفؤه فأبى الله إلا أن ينصره ويتم نوره واختار هذا ابن جرير قال مجاهد لبدا : أي جماعات وهو من تلبد الشيء على الشيء أي اجتمع ومنه اللبد الذي يفرش لتراكم صوفه وكل شيء ألصقته إلصاقا شديدا فقد لبدته ويقال للشعر الذي على ظهر الأسد لبدة وجمعها لبد ويقال للجراد الكثير لبد ويطلق اللبد بضم اللام وفتح الباء على الشيء الدائم ومنه قيل لنسر لقمان لبد لطول بقائه وهو المقصود بقول النابغة :
( أخنى عليها الذي أخنى على لبد )


الصفحة التالية
Icon