ثم ردعه الله سبحانه وزجره فقال : ١٦ - ﴿ كلا ﴾ أي لست أزيده ثم علل ذلك بقوله :﴿ إنه كان لآياتنا عنيدا ﴾ أي معاندا لها كافرا بما أنزلناه منها على رسولنا يقال عند يعند بالكسر إذا خالف الحق ورده وهو يعرفه فهو عنيد وعاند والعاند الذي يجوز عن الطريق ويعدل عن القصد ومنه قول الحارثي :

( إذا ركبت فاجعلاني وسطا إني كبير لا أطيق العندا )
قال أبو صالح : عنيدا معناه مباعدا وقال قتادة : جاحدا وقال مقاتل : معرضا
١٧ - ﴿ سأرهقه صعودا ﴾ أي سأكلفه مشقة من العذاب وهو مثل لما يلقاه من العذاب الصعب الذي لا يطاق وقيل المعنى : إنه يكلف أنه يصعد جبلا من نار والإرهاق في كلام العرب : أن يحمل الإنسان الشيء الثقيل
وجملة ١٨ - ﴿ إنه فكر وقدر ﴾ تعليل لما تقدم من الوعيد : أي إنه فكر في شأن النبي صلى الله عليه و سلم وما أنزل عليه من القرآن وقدر في نفسه : أي هيأ الكلام في نفسه والعرب تقول : هيأت الشيء إذا قدرته وقدرت الشيء إذا هيأته وذلك أنه لما سمع القرآن لم يزل يفكر ماذا يقول فيه وقدر في نفسه ما يقول
فذمه الله وقال : ١٩ - ﴿ فقتل كيف قدر ﴾ أي لعن وعذب كيف قدر : أي على أي حال قدر ما قدر منالكلام كما يقال في الكلام : لأضربنه كيف صنع : أي على أي حال كانت منه وقيل المعنى : قهر وغلب كيف قدر ومنه قول الشاعر :
( وما ذرفت عيناك إلا لتضربي بسهميك في أعشار قلب مقتل )
وقال الزهري : عذب وهو من باب الدعاء عليه
والتكرير في قوله : ٢٠ - ﴿ ثم قتل كيف قدر ﴾ للمبالغة والتأكيد
٢١ - ﴿ ثم نظر ﴾ أي بأي شيء يدفع القرآن ويقدح فيه أو فكر في القرآن وتدبر ما هو
٢٢ - ﴿ ثم عبس ﴾ أي قطب وجهه لما لم يجد مطعنا يطعن به في القرآن والعبس مصدر عبس مخففا يعبس عبسا وعبوسا إذا قطب وقيل عبس في وجوه المؤمنين وقيل عبس في وجه النبي صلى الله عليه و سلم ﴿ وبسر ﴾ أي كلح وجهه وتغير ومنه قول الشاعر :
( صبحنا تميما غداة الحفار بشهباء ملموسة باسره )
وقول الآخر :
( وقد رابني منها صدود رأيته وإعراضها عن حاجتي وبسورها )
وقيل إن ظهور العبوس في الوجه يكون بعد المحاورة وظهور البسور في الوجه قبلها والعرب تقول : وجه باسر إذا تغير واسود وقال الراغب : البسر استعجال الشر قبل أوانه نحو بسر الرجل حاجته : أي طلبها في غير أوانها قال : ومنه قوله :﴿ عبس وبسر ﴾ أي أظهر العبوس قبل أوانه وقبل وقته وأهل اليمن يقولون : بسر المركب وأبسر : أي وقف لا يتقدم ولا يتأخر وقد أبسرنا : أي صرنا إلى البسور


الصفحة التالية
Icon