٢٣ - ﴿ ثم أدبر واستكبر ﴾ أي أعرض عن الحق وذهب إلى أهله وتعظم عن أن يؤمن
٢٤ - ﴿ فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ﴾ أي يأثره عن غيره ويريه عنه والسحر : إظهار الباطل في صورة الحق أو الخديعة على ما تقدم بيانه في سورة البقرة يقال أثرت الحديث بأثره إذا ذكرته عن غيرك ومنه قول الأعشى :
( إن الذي... فيه تحاربتما بين للسامع والأثر )
٢٥ - ﴿ إن هذا إلا قول البشر ﴾ يعني أنه كلام الإنس وليس بكلام الله وهو تأكيد لما قبله وسيأتي أن الوليد بن المغيرة إنما قال هذا القول إرضاء لقومه بعد اعترافه أن له حلاوة وأن عليه طلاوة إلى آخر كلامه
ولما قال هذا القول الذي حكاه الله عنه قال الله عز و جل : ٢٦ - ﴿ سأصليه سقر ﴾ أي سأدخله النار وسقر من أسماء النار ومن دركات جهنم وقيل إن هذه الجملة بدل من قوله ﴿ سأرهقه صعودا ﴾
ثم بالغ سبحانه في وصف النار وشدة أمرها فقال : ٢٧ - ﴿ وما أدراك ما سقر ﴾ أي وما أعلمك أي شيء هي والعرب تقول : وما أدراك ما كذا : إذا أرادوا المبالغة في أمره وتعظيم شأنه وتهويل خطبه وما الأولى مبتدأ وجملة ما سقر خبر المبتدأ
ثم فسر حالها فقال ٢٨ - ﴿ لا تبقي ولا تذر ﴾ والجملة مستأنفة لبيان حال سقر والكشف عن وصفها وقيل هي في محل نصب على الحال والعامل فيها معنى التعظيم لأن قوله :﴿ وما أدراك ما سقر ﴾ يدل على التعظيم فكأنه قال : استعظموا سقر في هذه الحال والأول أولى ومفعول الفعلين محذوف قال السدي : لا تبقي لهم لحما ولا تذر لهم عظما وقال عطاء : لا تبقي من فيها حيا ولا تذره ميتا وقيل هما لفظان بمعنى واحد كررا للتأكيد كقولك : صد عني وأعرض عني
٢٩ - ﴿ لواحة للبشر ﴾ قرأ الجمهور ﴿ لواحة ﴾ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وقيل على أنه نعت لسقر والأول أولى وقرأ الحسن وعطية العوفي ونصر بن عاصم وعيسى بن عمر وابن أبي عبلة وزيد بن علي بالنصب على الحال أو الاختصاص للتهويل يقال : لاح يلوح : أي ظهر والمعنى : أنها تظهر للبشر قال الحسن : تلوح لهم جهنم حتى يرونها عيانا كقوله :﴿ وبرزت الجحيم لمن يرى ﴾ وقيل معنى ﴿ لواحة للبشر ﴾ أي مغيرة لهم ومسودة قال مجاهد : والعرب تقول : لاحة الحر والبرد والسقم والحزن : إذا غيره وهذا أرجح من الأول وإليه ذهب جمهور المفسرين ومنه قول الشاعر :
( وتعجب هند أن رأتني شاحبا | تقول لشيء لوحته السمايم ) |
أي غيرته ومنه قول رؤبة بن العجاج :( لوح منه بعد بدن وشبق | تلويحك الضامر يطوى للسبق ) |
وقال الأخفش : المعنى أنها معطشة للبشر وأنشد :
( سقتني على لوح من الماء شربة | سقاها به الله الرهام الغواديا ) |
والمراد بالبشر إما جلدة الإنسان الظاهرة كما قاله الأكثر أو المراد به أهل النار من الإنس كما قال الأخفش