٢ - ﴿ ولا أقسم بالنفس اللوامة ﴾ ذهب قوم إلى أنه سبحانه أقسم بالنفس اللوامة كما أقسم بيوم القيامة فيكون الكلام في لا هذه كالكلام في الأولى وهذا قول الجمهور وقال الحسن : أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة قال الثعلبي : والصحيح أنه أقسم بهما جميعا ومعنى النفس اللوامة : النفس التي تلوم صاحبها على تقصيره أو تلوم جميع النفوس على تقصيرها قال الحسن : هي والله نفس المؤمن لا يرى المؤمن إلا يلوم نفسه ما أردت بكذا ما أردت بكذا والفاجر لا يعاتب نفسه قال مجاهد : هي التي تلوم على ما فات وتندم فتلوم نفسها على الشر لم تعمله ؟ وعلى الخي لم لم تستكثر منه ؟ قال الفراء : ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيرا قالت : هلا ازددت وإن كانت عملت سوءا قالت : ليتني لم أفعل وعلى هذا فالكلام خارج مخرج المدح للنفس فيكون الإقسام بها حسنا سائغا وقيل اللوامة هي الملومة المذمومة فهي صفة ذم وبهذا احتج من نفى أن يكون قسما إذ ليس لنفس العاصي خطر يقسم به قال مقاتل : هي نفس الكافر يلوم نفسه ويتحسر في الآخرة على ما فرط في جنب الله والأول أولى
٣ - ﴿ أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ﴾ المراد بالإنسان الجنس وقيل الإنسان الكافر والهمزة للإنكار وأن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن محذوف والمعنى : أيحسب الإنسان أن الشأن أن لن نجمع عظامع بعد أن صارت رفاتا فنعيدها خلقا جديدا وذلك حسبان باطل فإنا نجمعها وما يدل عليه هذا الكلام هو جواب القسم قال الزجاج : أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة ليجمعن العظام للبعث فهذا جواب القسم وقال النحاس : جواب القسم محذوف : أي ليبعثن والمعنى : أن الله سبحانه يبعث جميع أجزاء الإنسان وإنما خص العظام لأنها قالب الخلق
٤ - ﴿ بلى قادرين على أن نسوي بنانه ﴾ بلى إيجاب لما بعد النفي المنسحب إليه الاستفهام والوقف على هذا اللفظ وقف حسن ثم يبتدئ الكلام بقوله قادرين وانتصاب قادرين على الحال : أي بلى نجمعها قادرين فالحال من ضمير الفعل المقدر وقيل المعنى : بلى نجمعها نقدر قادرين قال الفراء : أي نقدر ونقوى قادرين على أكثر من ذلك وقال أيضا : إنه يصلح نصبه على التكرير : أي بلى فلحسبنا قادرين وقيل التقدير : بلى كنا قادرين وقرأ ابن أبي عبلة وابن السميفع بلى قادرون على تقدير مبتدأ : أي بلى نحن قادرون ومعنى ﴿ على أن نسوي بنانه ﴾ على أن نجمع بعضها إلى بعض فنردها كما كانت ما لطافتها وصغرها فكيف بكبار الأعضاء فنبه سبحانه بالبنان وهي الأصابع على بقيه الأعضاء وإن الاقتدار على بعثها وإرجاعها كما كانت أولى في القدرة من إرجاع الأصابع الصغيرة اللطيفة المشتملة على المفاصل والأظافر والعروق اللطاف والعظام الدقاق فهذا وجه تخصيصها بالذكر وبهذا قال الزجاج وابن قتيبة وقال جمهور المفسرين : إن معنى الآية أن نجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحدا كخف البعير وحافر الحمار صفيحة واحدة لا شقوق فيها فلا يقدر على أن ينتفع بها في الأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة ونحوهما ولكنا فرقنا أصابعه لينتفع بها وقيل المعنى : بل نقدر على أن نعيد الإنسان في هيئة البهائم فكيف في صورته التي كان عليها والأول أولى ومنه قول عنترة :
( وإن الموت طوع يدي إذا ما | وصلت بنانها بالهندوان ) |