ثم ذكر سبحانه أنه أعطاءه ما يصح معه الابتلاء فقال : ٣ - ﴿ إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ﴾ أي بينا له وعرفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر كما في قوله :﴿ وهديناه النجدين ﴾ قال مجاهد : أي بينا السبيل إلى الشقاء والسعادة وقال الضحاك والسدي وأبو صالح : السبيل هنا خروجه من الرحم وقيل منافعه ومضاره التي يهتدي إليها بطبعه وكمال عقله وانتصاب شاكرا وكفورا على الحال من مفعول هديناه : أي مكناه من سلوك الطريق في حالتيه جميعا وقيل على الحال من سبيل على المجاز : أي عرفناه السبيل إما سبيلا شاكرا وإما سبيلا كفورا وحكى مكي عن الكوفيين أن قوله إما هي إن شرطية زيدت بعدها ما : أي بينا له الطريق إن شكر وإن كفر واختار هذا الفراء ولا يجيزه البصريون لأن إن الشرطية لا تدخل على الأسماء إلا أن يضمر بعدها فعل ولا يصح هنا إضمار الفعل لأنه كان يلزم رفع شاكرا وكفورا ويمكن أن يضمر فعل ينصب شاكرا وكفورا وتقديره : إن خلقناه شاكرا فشكور وإن خلقناه كافرا فكفور وهذا على قراءة الجمهور ﴿ إما شاكرا وإما كفورا ﴾ بكسر همزة إما وقرأ أبو السماك وأبو العجاج بفتحها وهي على الفتح إما العاطفة في لغة بعض العرب أو هي التفصيلية وجوابها مقدر وقيل انتصب شاكرا وكفورا بإضمار كان والتقدير : سواء كان شاكرا أو كان كفورا
ثم بين سبحانه ما أعد للكافرين فقال : ٤ - ﴿ إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا ﴾ قرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم وهشام عن ابن عمر ﴿ سلاسل ﴾ بالتنوين ووقف قنبل عن ابن كثير وحمزة بغير ألف والباقون وقفوا بالألف ووجه من قرأ بالتنوين في سلاسل مع كون فيه صيغة منتهى الجموع أنه قصد بذلك التناسب لأن ما قبله وهو ﴿ إما شاكرا وإما كفورا ﴾ وما بعده وهو ﴿ أغلالا وسعيرا ﴾ منون أو على لغة من يصرف جميع ما لا ينصرف كما حكاه الكسائي وغيره من الكوفيين عن بعض العرب قال الأخفش : سمعنا من العرب من يصرف كل ما لا ينصرف لأن الوصل في الأسماء الصرف وترك الصرف لعارض فيها قال الفراء : هو على لغة من يجر الأسماء كلها إلا قولهم : هو أظرف منك فإنهم لا يجرونه وأنشد ابن الأنباري في ذلك قول عمرو بن كلثوم :
( كأن سيوفنا فينا وفيهم... مخاريق بأيدي لاعبينا )
ومن ذلك قول الشاعر :
( وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم... خضع الرقاب نواكس الأبصار )
بكسر السين من نواكس وقول لبيد :
( وحسور أستار دعوني لحتفها... بمعالق متشابه أعلاقها )
وقوله أيضا :
( فضلا وذو كرم [ يعين ]... على الندى سمح لشوب رغائب غنامها )
وقيل إن التنوين لموافقة رسم المصاحف المكية والمدنية والكوفية فإنها فيها بالألف وقيل إن هذا التنوين بدل من حرف الإطلاق ويجري الوصل مجرى الوقف والسلاسل قد تقدم تفسيرها والخلاف فيها هل هي القيود أو ما يجعل في الأعناق كما في قول الشاعر :
(... ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل والأغلال )
[ جمع ] غل تغل به الأيدي إلى الأعناق والسعير : الوقود الشديد وقد تقدم تفسير السعير