٦ - ﴿ يا أيها الإنسان ﴾ المراد جنس الإنسان فيشمل المؤمن والكافر وقيل هو الإنسان الكافر والأول أولى لما سيأتي من التفصيل ﴿ إنك كادح إلى ربك كدحا ﴾ الكدح في كلام العرب : السعي في الشيء بجهد من غير فرق بين أن يكون ذلك الشيء خيرا أو شرا والمعنى : أنك ساع إلى ربك في عملك أو إلى لقاء ربك مأخوذ من كدح جلده : إذا خدشه قال ابن مقبل :

( وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح )
قال قتادة والضحاك والكبي : عامل لربك عملا ﴿ فملاقيه ﴾ أي فملاق عملك والمعنى : أنه لا محالة ملاق لجزاء عمله وما يترت عليه من الثواب والعقاب قال القتيبي : معنى الآية : إنك كادح : أي عامل ناصب في معيشتك إلى لقاء ربك والملاقاة بمعنى اللقاء : أي تلقى ربك بعملك وقيل فملاق كتاب عملك لأن العمل قد انقضى
٨ - ﴿ فأما من أوتي كتابه بيمينه ﴾ وهم المؤمنون
٨ - ﴿ فسوف يحاسب حسابا يسيرا ﴾ لا مناقشة فيه قال مقاتل : لأنها تغفر ذنوبه ولا يحاسب بها وقال المفسرون : هو أن تعرض عليه سيئاته ثم يغفرها الله فهو الحساب اليسير
٩ - ﴿ وينقلب إلى أهله مسرورا ﴾ أي ونيصرف بعد الحساب اليسير إلى أهله الذين هم في الجنة من عشيرته أو إلى أهله الذين كانوا له في الدنيا من الزوجات والأولاد وقد سبقوه إلى الجنة أو إلى من أعده الله له في الجنة من الحور العين والولدان المخلدين أو إلى جميع هؤلاء مسرورا مبتهجا بما أوتي من الخير والكرامة
١٠ - ﴿ وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ﴾ قال الكلبي : لأن يمينه مغلولة إلى عنقه وتكون يده اليسرى خلفه وقال قتادة ومقاتل : تفك ألواح صدره وعظامه ثم تدخل يده وتخرج من ظهره فيأخذ كتابه كذلك
١١ - ﴿ فسوف يدعو ثبورا ﴾ أي إذا قرأ كتابه قال : يا ويلاه يا ثبوراه والثبور الهلاك
١٢ - ﴿ ويصلى سعيرا ﴾ أي يدخلها ويقاسي حر نارها وشدتها قرأ أبو عمرو وحمزة وعاصم بفتح الياء وسكون الصاد وتخفيف اللام وقرأ الباقون بضم الياء وفتح اللام وتشديدها وروى إسماعيل المكي عن ابن كثير وكذلك خارجة عن نافع وكذلك روى إسماعيل المكي عن ابن كثير أنهم قرأوا بضم الياء وإسكان الصاد من أصلى يصلي
١٣ - ﴿ إنه كان في أهله مسرورا ﴾ أي كان بين أهله في الدنيا مسرورا باتباع هواه وركوب شهوته بطرا أشرا لعدم خطور الآخرة بباله والجملة تعليل لما قبلها
وجملة ١٤ - ﴿ إنه ظن أن لن يحور ﴾ تعليل لكونه كان في الدنيا في أهله مسرورا والمعنى : أن سبب ذلك السرور ظنه بأنه لا يرجع إلى الله ولا يبعث للحساب والعقاب لتكذيبه بالبعث وجحده للدار الآخرة وأن في قوله :﴿ أن لن يحور ﴾ هي المخففة من الثقيلة سادة مع ما في حيزها مسد مفعولي ظن والحور في اللغة : الرجوع يقال حال يحور : إذا رجع وقال الراغب : الحور التردد في الأمر ومنه نعوذ بالله من الجور بعد الكور : أي من التردد في الأمر بعد المضي فيه ومحاورة الكلام مراجعته والمحار المرجع والمصير قال عكرمة وداود بن أبي هند : يحور كلمة بالحبشية ومعناها يرجع قال القرطبي : الحور في كلام العرب : الرجوع ومنه قوله صلى الله عليه و سلم [ اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور ] يعني من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة وكذلك الحور بالضم وفي المثل حور في محار : أي نقصان في نقصان ومنه قول الشاعر :
( والدم يسفى وراد القوم في حور )
والحور أيضا الهلكة ومنه قول الراجز :
( في بئر لا حور سرا وما شعر )
قال أبو عبيدة : أي في بئر حور ولا زائدة


الصفحة التالية
Icon