ثم ذكر سبحانه ما أعد للمؤمنين الذين أحرقوا بالنار فقال : ١١ - ﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ وظاهر الآية العموم فيدخل في ذلك المحرقون في الأخدود بسبب إيمانهم دخولا أوليا والمعنى : أن الجامعين بين الإيمان وعمل الصالحات ﴿ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾ : أي لهم بسبب الإيمان والعمل الصالح جنات متصفة بهذه الصفة وقد تقدم كيفية جري الأنهار من تحت الجنات في غير موضع وأوضحنا أنه إن أريد بالجنات الأشجار فجري الأنهار من تحتها واضح وإن أريد بها الأرض المشتملة عليها فالتحتية باعتبار جزئها الظاهر وهو الشجر لأنها ساترة لساحتها والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى ما تقدم ذكره مما أعده الله لهم : أي ذلك المذكور ﴿ الفوز الكبير ﴾ الذي لا يعدله فوز ولا يقاربه ولا يطانيه والفوز الظفر بالمطلوب
وجملة ١٢ - ﴿ إن بطش ربك لشديد ﴾ مستأنفة لخطاب النبي صلى الله عليه و سلم مبنية لما عند الله سبحانه من الجزاء لمن عصاه والمغفرة لمن أطاعه : أي أخذه للجبابرة والظلمة شديد والبطش : الأخذ بعنف ووصفه بالشدة يدل على أنه قد تضاعف وتفاقم ومثل هذا قوله :﴿ إن أخذه أليم شديد ﴾
١٣ - ﴿ إنه هو يبدئ ويعيد ﴾ أي يخلق أولا في الدنيا ويعيدهم أحياء بعد الموت كذا قال الجمهور وقيل يبدئ للكفار عذاب الحريق في الدنيا ثم يعيده لهم في الآخرة واختار هذا ابن جرير والأول أول
١٤ - ﴿ وهو الغفور الودود ﴾ أي بالغ المغفرة لذنوب عباده المؤمنين لا يفضحهم بها بالغ المحبة للمطيعين من أوليائه قال مجاهد : الواد لأوليائه فهو فعول بمعنى فاعل وقال ابن زيد : معنى الودود الرحيم وحكى المبرد عن إسماعيل القاضي أن الودود هو الذي لا ولد له وأنشد :
( وأركب في الروع عريانة | ذلول الجناح لقاحا ودودا ) |
أي لا ولد لها تحن إليه وقيل الودود بمعنى المودود : أي يوده عباده الصالحون ويحبونه كذا قال الأزهري : قال : ويجوز أن يكون فعول بمعنى فالع : أي يكون محبا لهم قال : وكلتا الصفتين مدح لأنه جل ذكره إن أحب عباده المطيعين فهو فضل منه وإن أحبه عباده العارفون فلما تقرر عندهم من كريم إحسانه
قرأ الجمهور ١٥ -
﴿ ذو العرش المجيد ﴾ برفع المجيد على أنه نعت لذو واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم قالا : لأن المجد هو النهاية في الكرم والفضل والله سبحانه هو المنعوت بذلك وقرأ الكوفيون إلا عاصما بالجر على أنه نعت للعرش وقد وصف سبحانه عرشه بالكرم كما في آخر سورة المؤمنون وقيل هو نعت لربك ولا يضر الفصل بينهما لأنها صفات لله سبحانه وقال مكي : هو خبر بعد خبر والأول أولى ومعنى ذو العرش : ذو الملك والسلطان كما يقال : فلان على سرير ملكه ومنه قول الشاعر :
( رأوا عرشي تثلم جانباه | فلما أن تثلم أفردوني ) |
وقول الآخر :( إن يقتلونك فقد ثللت عروشهم | بعتيبة بن الحارث بن شهاب ) |
وقيل المراد خالق العرش