ثم بين سبحانه الفرق بين من تنفعه الذكرى ومن لا تنفعه فقال : ١٠ - ﴿ سيذكر من يخشى ﴾ أي سيتعظ بوعظك من يخشى الله فيزداد بالتذكير خشية وصلاحا
١١ - ﴿ ويتجنبها الأشقى ﴾ أي [ ويتحنب ] الذكرى ويبعد عنها الأشقي من الكفار لإصراره على الكفر بالله وانهماكه في معاصيه
ثم وصف الأشقى فقال : ١٢ - ﴿ الذي يصلى النار الكبرى ﴾ أي العظيمة الفظيعة لأنها أشد حرا من غيرها قال الحسن : النار الكبرى نار جهنم والنار الصغرى نار الدنيا وقال الزجاج : عي السفلى من أطباق النار
١٣ - ﴿ ثم لا يموت فيها ولا يحيا ﴾ أي لا يموت فيها فيستريح مما هو فيه من العذاب ولا يحيا حياة يتنفع بها ومنه قول الشاعر :

( ألا ما لتفس لا تموت فينقضي [ عناها ] ولا تحيا حياة لها طعم )
وثم للتراخي في مراتب الشدة لأن التردد بين الموت والحياة أفظع من صلى النار الكبرى
١٤ - ﴿ قد أفلح من تزكى ﴾ أي من تطهر من الشرك فآمن بالله ووحده وعمل بشرائعه قال عطاء والربيع : من كان عمله زاكيا ناميا وقال قتادة : تزكى بعمل صالح قال قتادة : وعطاء وأبو العالية : نزلت في صدقة الفطر قال عكرمة : كان الرجل يقول : أقدم زكاتي بين يدي صلاتي وأصل الزكاة في اللغة النماء وقيل المراد بالآية زكاة الأموال كلها وقيل المراد بها زكاة الأعمال لا زكاة الأموال لأن الأكثر أن يقال في الأموال زكى لا تزكى
١٥ - ﴿ وذكر اسم ربه فصلى ﴾ قيل المعنى : ذكر اسم ربه بالخوف فعبده وصلى له وقيل ذكر اسم ربه بلسانه فصلى : أي فأقام الصلوات الخمس وقيل ذكر موقفه ومعاده فعبده وهو كالقول الأول وقيل ذكر اسم ربه بالتكبير في أول الصلاة لأنها لا تنعقد إلا بذكره وهو قوله : الله أكبر وقيل ذكر اسم ربه في طريق المصلى فصلى وقيل هو أن يتطوع بصلاة بعد زكاة وقيل المراد بالصلاة هنا صلاة العيد كما أن المراد بالتزكي في الآية الأولى زكاة الفطر ولا يخفى بعد هذا القول لأن السورة مكية ولم تفرض زكاة الفطر وصلاة العيد إلا بالمدينة
١٦ - ﴿ بل تؤثرون الحياة الدنيا ﴾ هذا إضراب عن كلام مقدر يدل عليه السياق : أي لا تفعلون ذلك بل تؤثرون اللذات الفانية في الدنيا قرأ الجمهور ﴿ تؤثرون ﴾ بالفوقية على الخطاب ويؤيدها قراءة أبي بل أنتم تؤثرون وقرأ أبو عمرو بالتحتية على الغيبة قيل والمراد بالآية الكفرة والمراد بإيثار الحياة الدنيا هو الرضا بها والاطمئنان إليها والإعراض عن الآخرة بالكلية وقيل المراد بها جميع الناس من مؤمن وكافر والمراد بإيثارها ما هو أعم من ذلك مما لا يخلو عنه غالب الناس من تأثير جانب الدنيا على الآخرة والتوجه إلى تحصيل منافعها والاهتمام بها اهتماما زائدا على اهتمامه بالطاعات


الصفحة التالية
Icon