١٧ - ﴿ والآخرة خير وأبقى ﴾ في محل نصب على الحال من فاعل تؤثرون : أي والحال أن الدار الآخرة التي هي الجنة أفضل وأدوم من الدنيا قال مالك بن دينار : لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف يبقى لكان الواجب أن يؤثر خزف يبقى على ذهب يفنى فكيف والآخرة من ذهب يبقى والدنيا من خزف يفنى ؟
والإشارة بقوله : ١٨ - ﴿ إن هذا ﴾ إلى ما تقدم من فلاح مت تزكى وما بعده وقيل إنه إشارة إلى جميع السورة ومعنى ﴿ لفي الصحف الأولى ﴾ أي ثابت فيها
وقوله : ١٩ - ﴿ صحف إبراهيم وموسى ﴾ بدل من الصحف الأولى قال قتادة وابن زيد : يريد بقوله :﴿ إن هذا ﴾ والآخرة خير وأبقى وقالا : تتابعت كتب الله عز و جل أن الآخرة خير وأبقى من الدنيا وقال الحسن : تتابعت كتب الله جل ثناؤه إن هذا لفي الصحف الأولى وهو قوله :﴿ قد أفلح ﴾ إلى آخر السورة قرأ الجمهور ﴿ لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم ﴾ بضم الحاء في الموضعين وقرأ الأعمش وهارون وأبو عمرو في رواية عنه بسكونها فيهما وقرأ الجمهور إبراهيم بالألف بعد الراء وبالياء بعد الهاء وقرأ أبو رجاء بحذفهما وفتح الهاء وقرأ أبو موسى وابن الزبير إبراهيم بألفين
وقد أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن المنذر وابن مردويه عن عقبة بن عامر الجهني قال :[ لما نزلت ﴿ فسبح باسم ربك العظيم ﴾ قال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم : اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾ قال : اجعلوها في سجودكم ] ولا مطعن في إسناده وأخرج أحمد وأبو داود والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا قرأ ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾ قال : سبحان ربي الأعلى ] قال أبو داود : خولف فيه وكيع فرواه شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد ابن عباس موقوفا وأخرجه موقوفا أيضا عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس أنه كان إذا قرأ ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾ قال : سبحان ربي الأعلى وفي لفظ لعبد بن حميد عنه قال :[ إذا قرأت ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾ فقل : سبحان ربي الأعلى ] وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف عن علي بن أبي طالب أنه قرأ ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾ فقال : سبحان ربي الأعلى وهو في الصلاة فقيل له أتزيد في القرآن ؟ قال : لا إنما أمرنا بشيء فقلته وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن أبي موسى الأشعري أنه قرأ في الجمعة ب ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾ فقال : سبحان ربي الأعلى وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن سعيد بن جبير قال : سمعت ابن عمر يقرأ ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾ فقال : سبحان ربي الأعلى وكذلك هي في قراءة أبي بن كعب وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عبد الله بن الزبير أنه قرأ ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾ فقال : سبحان ربي الأعلى وهو في الصلاة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ فجعله غثاء ﴾ قال : هشيما ﴿ أحوى ﴾ قال متغيرا وأخرج ابن مردويه عنه قال :[ كان النبي صلى الله عليه و سلم يستذكر القرآن مخافة أن ينسى فقيل له قد كفيناك ذلك ونزلت ﴿ سنقرئك فلا تنسى ﴾ ] وأخرج الحاكم عن سعد بن أبي وقاص نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ إلا ما شاء الله ﴾ يقول : إلا ما شئت أنا فأنسيك وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا ﴿ ونيسرك لليسرى ﴾ قال : للخير وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود ﴿ ونيسرك لليسرى ﴾ قال : الجنة وأخرج البزار وابن مردويه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله :﴿ قد أفلح من تزكى ﴾ قال [ من شهد أن لا إله إلا الله وقطع الأنداد وشهد أني رسول الله ﴿ وذكر اسم ربه فصلى ﴾ قال : هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بمواقيتها ] قال البزار : لا يروى عن جابر إلا من هذا الوجه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ قد أفلح من تزكى ﴾ قال : من الشرك ﴿ وذكر اسم ربه ﴾ قال : وحد الله ﴿ فصلى ﴾ قال : الصلوات الخمس وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس ﴿ قد أفلح من تزكى ﴾ قال : من قال لا إله إلا الله وأخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى وابن مردويه والبيهقي في سننه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم [ أنه كان يأمر بزكاة الفطر قبل أن يصلي صلاة العيد ويتلو هذه الآية ﴿ قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى ﴾ ] وفي لفظ قال :[ سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن زكاة الفطر فقال :﴿ قد أفلح من تزكى ﴾ قال : هي زكاة الفطر ] وكثير بن عبد الله ضعيف جدا قال فيه أبو داود : هو ركن من أركان الكذب وقد صحح الترمذي حديثا من طريقه وخطئ في ذلك ولكنه يشهد له ما أخرجه ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال :[ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :﴿ قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى ﴾ ثم يقسم الفطرة قبل أن يغدو إلى المصلى يوم الفطر ] وليس في هذين الحديثين ما يدل على أن ذلك سبب النزول بل فيهما أنه صلى الله عليه و سلم تلا الآية وقوله : هي زكاة الفطر يمكن أن يراد به أنها مما يصدق عليه التزكي وقد قدمنا أن السورة مكية ولم تكن في مكة صلاة عيد ولا فطرة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي سعيد الخدري ﴿ قد أفلح من تزكى ﴾ قال : أعطي صدقة الفطر قبل أن يخرج إلى العيد ﴿ وذكر اسم ربه فصلى ﴾ قال : خرج إلى العيد وصلى : وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن ابن عمر قال إنما أنزلت هذه الآية في إخراج صدقة الفطر قبل صلاة العيد ﴿ قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى ﴾ وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : قلت لابن عباس : أرأيت قوله :﴿ قد أفلح من تزكى ﴾ للفطر قال : لم أسمع بذلك ولكن للزكاة كلها ثم عاودته فقال لي : والصدقات كلها وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن عرفجة الثقفي قال : استقرأت ابن مسعود ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾ فلما بلغ ﴿ بل تؤثرون الحياة الدنيا ﴾ ترك القراءة وأقبل على أصحابه فقال : آثرنا الدنيا على الآخرة فسكت القوم فقال : آثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها وزويت عنا الآخرة فاخترنا هذا العاجل وتركنا الآجل وقال :﴿ بل تؤثرون الحياة الدنيا ﴾ بالياء وأخرج البزار وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى ﴾ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ هي كلها في صحف إبراهيم وموسى ] وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في الآية قال : نسخت هذه السورة من صحف إبراهيم وموسى وفي لفظ : هذه السورة في صحف إبراهيم وموسى وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر عن أبي ذر قال [ قلت يا رسول الله كم أنزل الله من كتاب ؟ قال : مائة كتاب وأربعة كتب ] الحديث


الصفحة التالية
Icon