١٦ - ﴿ وأما إذا ما ابتلاه ﴾ أي اختبره وعامله معاملة من يختبره ﴿ فقدر عليه رزقه ﴾ أي ضيقه ولم يوسعه له ولا بسط له فيه ﴿ فيقول ربي أهانن ﴾ أي أولاني هوانا وهذه صفة الكافر الذي لا يؤمن بالبعث فأنه لا كرامة عنده إلا الدنيا والتوسيع في متاعها ولا إهانة عنده إلا فوتها وعدم وصوله إلى ما يريد من زينتها فأما المؤمن فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته ويوفقه لعمل الآخرة ويحتمل أن يراد الإنسان على العموم لعدم تيقظه أن ما صار إليه من الخير وما أصيب به من الشر في الدنيا ليس إلا للاختيار والامتحان وأن الدنيا بأسرها لا تعدل عند الله جناح بعوضة ولو كانت تعدل جناح بعوضة ما سقى الكافر منا شربة ماء قرأ نافع بإثبات الياء في ﴿ أكرمن ﴾ و ﴿ أهانن ﴾ وصلا وحذفهما وقفا وقرأ ابن كثير في رواية البزي عنه وابن محيصن ويعقوب بإثباتهما وصلا ووقفا وقرأ الباقون بحذفهما في الوصل والوقف اتباعا لرسم المصحف ولموافقة رؤوس الآي والأصل إثباتها لأنها اسم ومن الحذف قول الشاعر :
( ومن كائح ظاهر عمره | إذا ما انتصبت له أنكرن ) |
وقوله : ١٧ - ﴿ كلا ﴾ ردع للإنسان القائل في الحالتين ما قال وزجر له فإن الله سبحانه قد يوسع الرزق ويبسط النعم للإنسان لا لكرامته ويضيقه عليه لا لإهانته بل للاختبار والامتحان كما تقدم قال الفراء : كلا في هذا الموضع بمعنى أنه لم يكن ينبغي للعبد أن يكون هكذا ولكن يحمد الله على الغنى والفقر ثم انتقل سبحانه من بيان سوء أقوال الإنسان إلى بيان سوء أفعاله فقال :﴿ بل لا تكرمون اليتيم ﴾ والالتفات إلى الخطاب لقصد التوبيخ والتقريع على قراءة الجمهور بالفوقية وقرأ الجمهور ﴿ تحاضون ﴾ و ﴿ تأكلون ﴾ و ﴿ تحبون ﴾ بالفوقية على الخطاب فيها وقرأ أبو عمرو ويعقوب بالتحتية فيها والجمع في هذه الأفعال باعتبار معنى الإنسان لأن المراد به الجنس : أي بل لكم أفعال هي أقبح مما ذكر وهي أنكم تتركون إكرام اليتيم فتأكلون ماله وتمنعونه من فضل أموالكم قال مقاتل : نزلت في قدامة بن مظعون وكان يتيما في حجر أمية بن خلف