١١ - ﴿ فلا اقتحم العقبة ﴾ الاقتحام : الرمي بالنفس في شيء من غير روية يقال منه : قحم في الأمر قحوما : أي رمى بنفسه فيه من غير روية وتقحيم النفس في الشيء : إدخالها فيه من غير روية والقحمة بالضم المهلكة والعقبة في الأصل الطريق التي في الجبل سميت بذلك لصعوبة سلوكها وهو مثل ضربه سبحانه لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة قال الفراء والزجاج : ذكر سبحانه هنا لا مرة واحدة والعرب لا تكاد تفرد لا مع الفعل الماضي في مثل هذا الموضع حتى يعيدوها في كلام آخر كقوله :﴿ فلا صدق ولا صلى ﴾ وإنما أفرها هنا لدلالة آخر الكلام على معناه فيجوز أن يكون قوله : ثم كان من الذين آمنوا قائما مقام التكرير كأنه قال : فلا اقتحم العقبة ولا آمن قال المبرد وأبو علي الفارسي : إن لا هنا بمعنى لم : أي فلم يقتحم العقبة وروي نحو ذلك عن مجاهد فلهذا لم يحتج إلى التكرير ومنه قول زهير :

( وكان طوى كشحا على مستكنة فلا هو أبداها ولم يتقدم )
أي فلم يبدها ولم يتقدم وقيل هو جار مجرى الدعاء كقولهم : لا نجاء قال أبو زيد وجماعة من المفسرين : معنى الكلام هنا الاستفهام الذي بمعنى الإنكار تقديره : أفلا اقتحم العقبة أو هلا اقتحم العقبة
ثم بين سبحانه العقبة فقال : ١٢ - ﴿ وما أدراك ما العقبة ﴾ أي أي شيء أعلمك ما اقتحامها
١٣ - ﴿ فك رقبة ﴾ أي هي إعتاق رقبة وتخليصها من أسار الرق وكل شيء أطلقته فقد فككته ومنه : فك الرهن وفك الكتاب فقد بين سبحانه أن العقبة هي هذه القرب المذكورة التي تكون بها النجاة من النار قال الحسن وقتادة : هي عقبة شديدة في النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله وقال مجاهد الضحاك والكلبي : هي الصراط الذي يضرب على جهنم كحد السيف وقال كعب : هي نار دون الجسر وقيل وفي الكلام حذف : أي وما أدراك ما اقتحام العقبة ؟ قرأ أبو عمر وابن كثير والكسائي ﴿ فك رقبة ﴾ على أنه فعل ماض ونصب رقبة على المفعولية وهكذا قروا :﴿ أطعم ﴾ : على أنه فعل ماض وقرأ الباقون ﴿ فك ﴾ ﴿ أو إطعام ﴾ على أنهما مصدران وجر ﴿ رقبة ﴾ بإضافة المصدر إليها فعلى القراءة الأولى يكون الفعلان بدلا من اقتحم أو بيانا له كأنه قيل : فلا فك ولا أطعم والفك في الأصل : حل القيد سمي العتق فكا لأن الرق كالقيد وسمي المرقوق رقبة لأنه بالرق كالأسير المربوط في رقبته


الصفحة التالية
Icon