٥ - ﴿ والسماء وما بناها ﴾ يجوز أن تكون ما مصدرية أي والسماء وبنيانها ويجوز أن تكون موصولة : أي والذي بناها وإيثار ما على من لإرادة الوصفية لقصد التفخيم كأنه قال : والقادر العظيم الشأن الذي بناها ورجح الأول الفراء والزجاج ولا وجه لقوله من قال : إن جعلها مصدرية مخل بالنظم ورجح الثاني ابن جرير
٦ - ﴿ والأرض وما طحاها ﴾ الكلام في ما هذه كالكلام في التي قبلها ومعنى طحاها بسطها كذا قال عامة المفسرين كما في قوله :﴿ دحاها ﴾ قالوا : طحاها ودحاها واحد : أي بسطها من كل جانب والطحو البسط وقيل معنى طحاها قسمها وقيل خلقها ومنه قول الشاعر :

( وما يدري جذيمة من طحاها ولا من ساكن العرش الرفيع )
والأول أولى والطحو أيضا : الذهاب قال أبو عمرو بن العلاء : طحا الرجل : إذا ذهب في الأرض يقال ما أدري أين طحا ؟ ويقال طحا به قبله : إذا ذهب به ومنه قول الشاعر :
٧ -﴿ ونفس وما سواها ﴾ الكلام في ما هذه كما تقدم ومعنى سواها خلقها وأنشأها وسوى أعضاءها قال عطاء : يريد جيمع ما خلق من الجن والإنس والتنكير للتفخيم وقيل المراد نفس آدم
٨ -﴿ فألهمها فجورها وتقواها ﴾ أي عرفها وأفهمها حالهما وما فيهما من الحسن والقبح قال مجاهد : عرفها طريق الفجور والتقوى والطاعة والمعصية قال الفراء : فألهمها عرفها طريق الخير وطريق الشر كما قال :﴿ وهديناه النجدين ﴾ قال محمد بن كعب : إذا أراد الله بعبده خيرا ألهمه الخير فعمل به وإذا أراد الله بعبده خيرا ألهمه الخير فعمل به وإذا أراد به الشر ألهمه الشر فعمل به قال ابن زيد : جعل فيها ذلك بتوفيقه إياها للتقوى وخذلانه إيها للفجور واختار هذا الزجاج وحمل الإلهام على التوفيق والخذلان قال الواحدي : وهذا هو الوجه لتفسير الإلهام فإن التبيين والتعليم والتعريف دون الإلهام والإلهام أن يوقع في قلبه ويجعل فيه وإذا أوقع الله في قلب عبده شيئا ألزمه ذلك الشيء قال : وهذا صريح في أن الله خلق في المؤمن تقواه وفي الكافر فجوره
٩ -﴿ قد أفلح من زكاها ﴾ أي قد فاز من زكى نفسه وأنماها وأعلاها بالتقوى بكل مطلوب وظفر بكل محبوب وقد قدمنا أن هذا جواب القسم على الرجح وأصل الزكاة : النمو والزيادة ومنه زكا الزرع : إذا كثر
١٠ -﴿ وقد خاب من دساها ﴾ أي خسر من أضلها وأغواها قال أهل اللغة : دساها أصله دسسها من التدسيس وهو إخفاء الشيء في الشيء فمعنى دساها في الآية : أخفاها وأخملها ولم يشهرها بالطاعة والعمل الصالح وكانت أجواد العرب تنزل الأمكنة المرتفعة ليشتهر مكانها فيقصدها الضيوف وكانت لئام العرب تنزل الخضاب والأمكنة المنخفضة ليخفى مكانها عن الوافدين وقيل معنى دساها : أغواها ومنه قول الشاعر :
( طحا بك قلب في الحسان طروب بعيد الشباب عصر حان مشيب )
( وأنت الذي دسيت عمرا فأصبحت حلائله منه أرامل ضيعا )
وقال ابن الأعرابي ﴿ وقد خاب من دساها ﴾ أي دس نفسه في جملة الصالحين وليس منهم


الصفحة التالية
Icon