١٤ - ﴿ فأنذرتكم نارا تلظى ﴾ أي حذرتكم وخوفتكم نارا تتوقد وتتوهج وأصله تتلظى فحذقت إحدى التاءين تخفيفا وقرأ على الأصل عبيد بن عمير ويحيى بن يعمر وطلحة بن مصرف
١٥ - ﴿ لا يصلاها إلا الأشقى ﴾ أي يصلاها صليا لازما على جهة الخلود إلا الأشقى وهو الكافر وإن صليها غيره من العصاة فليس صليه كصليه والمراد بقوله يصلاها : يدخلها أو يجد صلاها وهو حرها
ثم وصف الأشقى فقال : ١٦ - ﴿ الذي كذب وتولى ﴾ أي كذب بالحق الذي جاءت به الرسل وأعرض عن الطاعة والإيمان قال الفراء ﴿ إلا الأشقى ﴾ إلا من كان شقيا في علم الله جل ثناؤه قال أيضا : لم يكن كذب برد ظاهر ولكن قصر عما أمر به من الطاعة فجعل تكذيبا كما تقول لقي فلان العدو فكذب : إذا نكل ورجع عن اتباعه قال الزجاج : هذه الآية هي التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر ولأهل النار منازل فمنها أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار والله سبحانه كل ما وعد عليه بجنس من العذاب فجدير أن يعذب به وقد قال :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ فلو كان كل من لم يشرك لم يعذب لم يكن في قوله :﴿ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ فائدة وقال في الكشاف : الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين فقيل الأشقى وجعل مختصا بالصلي كأن النار لم تخلق إلا له وقيل الأتقى وجعل مختصا بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له وقيل المراد بالأشقى أبو جهل أو أمية بن خلف وبالأتقى أبو بكر الصديق
ومعنى ١٧ - ﴿ سيجنبها الأتقى ﴾ سيباعد عنها المتقي للكفر اتقاء بالغا قال الواحدي : الأتقى أبو بكر الصديق في قول جميع المفسرين انتهى والأولى حمل الأشقى والأتقى على كل متصف بالصفتين المذكورتين ويكون المعنى أنه لا يصلاها صليا تاما لازما إلا الكامل في الشقاء وهو الكافر ولا يجنبها ويبعد عنها تبعيدا كاملا بحيث لا يحوم حولها فضلا عن أن يدخلها إلا الكامل في التقوى فلا ينافي هذا دخول بعض العصاة من المسلمين النار دخولا غير لازم ولا تبعيد بعض من لم يكن كامل التقوى عن النار تبعيدا غير بالغ مبلغ تبعيد الكامل في التقوى عنها والحاصل أن من تمسك من المرجئة بقوله :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى ﴾ زاعما أن الأشقى الكافر لأنه الذي كذب وتولى ولم يقع التكذيب من عصاة المسلمين فيقال له : فما تقول في قوله :﴿ وسيجنبها الأتقى ﴾ فإنه يدل على أنه لا يجنب النار إلا الكامل في التقوى فمن لم يكن كاملا فيها كعصاة المسلمين لم يكن ممن يجنب النار فإن أولت الأتقى بوجه من وجوه التأويل لزمك مثله في الأشقى فخذ إليك هذه مع تلك وكن كما قال الشاعر :
( على أنني راض بأن أحمل الهوى | وأخرج منه لا علي ولا ليه ) |
وقيل أراد بالأشقى والأتقى الشقي والتقي كما قال طرفة بن العبد :
( تمنى رجال أن أموت وإن أمت | فتلك سبيل لست فيها بأوحد ) |
أي بواحد ولا يخفاك أنه ينافي هذا وصف الأشقى بالتكذيب فإن ذلك لا يكون إلا من الكافر فلا يتم ما أراده قائل هذا القول من شمول الوصفين لعصاة المسلمين