ثم ذكر سبحانه الذين أخلصوا نياتهم وشهدوا بيعة الرضوان فقال : ١٨ - ﴿ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ﴾ أي رضي الله عنهم وقت تلك البيعة وهي بيعة الرضوان وكانت بالحديبية والعامل فيها ﴿ تحت ﴾ إما يبايعونك أو محذوف على أنه حال من المفعول وهذه الشجرة المذكورة هي شجرة كانت بالحديبية وقيل سدرة وكانت البيعة على أن يقاتلوا قريشا ولا يفروا وروي أنه بايعهم على الموت وقد تقدم ذكر عدد أهل هذه البيعة قريبا والقصة مبسوطة في كتب الحديث والسير ﴿ فعلم ما في قلوبهم ﴾ معطوف على يبايعونك قال الفراء : أي علم ما في قلوبهم من الصدق والوفاء وقال قتادة وابن جريح : من الرضى بأمر البيعة على أن لا يفروا وقال مقاتل : من كراهة البيعة على الموت ﴿ فأنزل السكينة عليهم ﴾ معطوف على رضى والسكينة : الطمأنينة وسكون النفس كما تقدم وقيل الصبر ﴿ وأثابهم فتحا قريبا ﴾ هو فتح خيبر عند انصرافهم من الحديبية قاله قتادة وابن أبي ليلى وغيرهما وقيل فتح مكة والأول أولى
١٩ - ﴿ ومغانم كثيرة يأخذونها ﴾ أي وأثابكم مغانم كثيرة أو وآتاكم وهي غنائم خيبر والالتفات لتشريفهم بالخطاب ﴿ وكان الله عزيزا حكيما ﴾ أي غالبا مصدرا أفعاله وأقواله على أسلوب الحكمة
٢٠ - ﴿ وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ﴾ في هذا وعد منه سبحانه لعباده المؤمنين بما سيفتحه عليهم من الغنائم إلى يوم القيامة يأخذونها في أوقاتها التي قدر وقوعها فيها ﴿ فعجل لكم هذه ﴾ أي غنائم خيبر قاله مجاهد وغيره وقيل صلح الحديبية ﴿ وكف أيدي الناس عنكم ﴾ أي وكف أيدي قريش عنكم يوم الحديبية بالصلح وقيل كف أيدي أهل خيبر وأنصارهم عن قتالكم وقذف في قلوبهم الرعب وقال قتادة : كف أيدي اليهود عن المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه و سلم إلى الحديبية وخيبر ورجح هذا ابن جرير قال : لأن كف أيدي الناس بالحديبية مذكور في قوله :﴿ وهو الذي كف أيديهم عنكم ﴾ وقيل كف أيدي الناس عنكم : يعني عيينة بين حصن الفزاري وعوف بن مالك النضري ومن كان معهما إذ جاءوا لينصروا أهل خيبر عند حصار النبي صلى الله عليه و سلم لهم ﴿ ولتكون آية للمؤمنين ﴾ اللام يجوز أن تتعلق بفعل محذوف يقدر بعده : أي فعل ما فعل من التعجيل والكف لتكون آية أو على علة محذوفة تقديرها وعد فعجل وكف لتنتفعوا بذلك ولتكون آية وقيل إن الواو مزيدة واللام لتعليل ما قبله : أي وكف لتكون والمعنى : ذلك الكف آية يعلم بها صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم في جمع ما يعدكم به ﴿ ويهديكم صراطا مستقيما ﴾ أي يزيدكم بتلك الآية هدى أو يثبتكم على الهداية إلى الطريق الحق