٢١ - ﴿ وأخرى لم تقدروا عليها ﴾ معطوف على هذه : أي فعجل لكم هذه المغانم ومغانم أخرى لم تقدروا عليها وهي الفتوح التي فتحها الله على المسلمين من بعد كفارس والروم ونحوهما كذا قال الحسن ومقاتل وابن أبي ليلى وقال الضحاك وابن زيد وابن أبي إسحاق : هي خيبر وعدها الله نبيه قبل أن يفتحها ولم يكونوا يرجونها وقال قتادة : فتح مكة وقال عكرمة : حنين والأول أولى ﴿ قد أحاط الله بها ﴾ صفة ثانية لأخرى قال الفراء : أحاط الله بها لكم حتى تفتحوها وتأخذوها والمعنى أنه أعدها لهم وجعلها كالشيء الذي قد أحيط به من جميع جوانبه فهو محصور لا يفوت منه شيء فهم وإن لم يقدروا عليها في الحال فهي محبوسة لهم لا تفوتهم وقيل معنى أحاط : علم أنها ستكون لهم ﴿ وكان الله على كل شيء قديرا ﴾ لا يعجزه شيء ولا تختص قدرته ببعض المقدورات دون بعض
٢٢ - ﴿ ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ﴾ قال قتادة يعني كفار قريش بالحديبية وقيل أسد وغطفان الذين أرادوا نصر أهل خيبر والأول أولى ﴿ ثم لا يجدون وليا ﴾ يواليهم على قتالكم ﴿ ولا نصيرا ﴾ ينصرهم عليكم
٢٣ - ﴿ سنة الله التي قد خلت من قبل ﴾ أي طريقته وعادته التي قد مضت في الأمم من نصر أوليائه على أعدائه وانتصاب سنة على المصدرية بفعل محذوف : أي بين الله سنة الله أو هو مصدر مؤكد لمضمون الجملة المتقدمة ﴿ ولن تجد لسنة الله تبديلا ﴾ أي لن تجد لها تغييرا بل هي مستمرة ثابتة
٢٤ - ﴿ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ﴾ أي كف أيدي المشركين عن المسلمين وأيدي المسلمين عن المشركين لما جاءوا يصدقون رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن معه عن البيت عام الحديبية وهي المراد ببطن مكة وقيل إن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه و سلم من قبل جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي صلى الله عليه و سلم فأخذهم المسلمون ثم تركوهم وفي رواية اختلاف سيأتي بيانه آخر البحث إن شاء الله ﴿ وكان الله بما تعملون بصيرا ﴾ لا يخفى عليه من ذلك شيء
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ أولي بأس شديد ﴾ يقول : فارس وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنهم الأكراد وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : فارس والروم وأخرج الفريابي وابن مردويه عنه قال : هوازن وبني حنيفة وأخرج الطبراني قال السيوطي بسند حسن عن زيد بن ثابت قال : كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه و سلم وإني لواضع القلم على أذني إذ أمر بالقتال إذ جاء أعمى فقال :[ كيف لي وأنا ذاهب البصر ؟ فنزلت ﴿ ليس على الأعمى حرج ﴾ الآية ] قال هذا في الجهاد وليس عليهم من جهاد إذا لم يطيقوا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سلمة بن الأكوع قال :[ بينا نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم : أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه فذلك قول الله تعالى :﴿ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ﴾ فبايع لعثمان إحدى يديه على الأخرى فقال الناس هنيئا لابن عفان يطوف بالبيت ونحن هاهنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو [ مكث ] كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف ] وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن نافع قال : بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فأمر بها فقطعت وأخرج البخاري عن سلمة بن الأكوع قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت الشجرة قيل على أي شيء كتنم تبايعونه يومئذ ؟ قال : على الموت وأخرج مسلم وغيره عن جابر قال : بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة ] وأخرج مسلم من حديثه مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ فأنزل السكينة عليهم ﴾ قال : إنما أنزلت السكينة على من علم منه الوفاء وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه ﴿ فعجل لكم هذه ﴾ يعني الفتح وأخرج ابن مردويه عنه أيضا ﴿ فعجل لكم هذه ﴾ يعني خيبر ﴿ وكف أيدي الناس عنكم ﴾ يعني أهل مكة أن يستحلوا حرم الله ويستحل بكم وأنتم حرم ﴿ ولتكون آية للمؤمنين ﴾ قال سنة لمن بعدكم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه أيضا في قوله :﴿ وأخرى لم تقدروا عليه ﴾ قال : هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضا ﴿ وأخرى لم تقدروا عليها ﴾ قال : هي خيبر وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس قال : لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة في السلاح من قبل جبال التنعيم يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعا عليهم فأخذوا فعفا عنهم فنزلت هذه الآية ﴿ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ﴾ وفي صحيح مسلم وغيره : أنها نزلت في نفر أسرهم سلمة بن الأكوع يوم الحديبية وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو النعيم في الدلائل في سبب نزول الآية [ أن ثلاثين شابا من المشركين خرجوا يوم الحديبية على المسلمين في السلاح فثاروا في وجوههم فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ الله بأسماعهم ولفظ الحاكم بأبصارهم فقام إليهم المسلمون فأخذوهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : هل جئتم في عهد أحد أو هل جعل لكم أحد أمانا ؟ فقالوا لا فخلى سبيلهم فنزلت هذه الآية ]