٢ - ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ﴾ يحتمل أن المراد حقيقة رفع الصوت لأن ذلك يدل على قلة الاحتشام وترك الاحترام لأن خفض الصوت وعدم رفعه من لوازم التعظيم والتوقير ويحتمل أن يكون المراد المنع من كثرة الكلام ومزيد اللغط والأول أولى والمعنى لا ترفعوا أصواتكم إلى حد يكون فوق ما يبلغه صوت النبي صلى الله عليه و سلم قال المفسرون : المراد من الآية تعظيم النبي صلى الله عليه و سلم وتوقيره وأن لا ينادوه كما ينادي بعضهم بعضا ﴿ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ﴾ أي لا تجهروا بالقول إذا كلمتموه كما تعتادونه من الجهر بالقول إذا كلم بعضكم بعضا قال الزجاج : أمرهم الله بتجليل نبيه وأن يغضوا أصواتهم ويخاطبوه بالسكينة والوقار وقيل المراد بقوله :﴿ ولا تجهروا له بالقول ﴾ لا تقولوا يا محمد ويا أحمد ولكن يا نبي الله ويا رسول الله توقيرا له والكاف في محل نصب على أنها نعت مصدر محذوف : أي جهرا مثل جهر بعضكم لبعض وليس المراد برفع الصوت وبالجهر في القول هو ما يقع على طريقة الاستخفاف فإن ذلك كفر وإنما المراد أن يكون الصوت في نفسه غير مناسب لما يقع في مواقف من يجب تعظيمه وتوقيره والحاصل أن النهي هنا وقع عن أمور : الأول عن التقدم بين يديه بما لا يأذن به من الكلام والثاني عن رفع الصوت البالغ إلى حد يكون فوق صوته سواء كان في خطابه أو في خطاب غيره والثالث ترك [ الجفاء ] في مخاطبته ولزوم الأدب في مجاورته لأن المقاولة المجهورة إنما تكون بين الأكفاء الذين ليس لبعضهم على بعض مزية توجب احترامه وتوقيره ثم علل سبحانه ما ذكره بقوله :﴿ أن تحبط أعمالكم ﴾ قال الزجاج : أن تحبط أعمالكم التقدير لأن تحبط أعمالكم أي فتحبط فاللام المقدرة لا المصيرورة كذا قال وهذه العلة يصح أن تكون للنهي : أي نهاكم الله عن الجهر خشية أن تحبط أو كراهة أن تحبط أو علة للمنهي : أي لا تفعلوا الجهر فإنه يؤدي إلى الحبوط فكلام الزجاج ينظر إلى الوجه الثاني لا إلى الوجه الأول وجملة ﴿ وأنتم لا تشعرون ﴾ في محل نصب على الحال وفيه تحذير شديد ووعيد عظيم قال الزجاج : وليس المراد وأنتم لا تشعرون يوجب أن يكفر الإنسان وهو لا يعلم فكما لا يكون الكافر مؤمنا إلا باختياره الإيمان على الكف كذلك لا يكون الكافر كافرا من حيث لا يعلم


الصفحة التالية
Icon