ثم رغب سبحانه في امتثال ما أمر به فقال : ٣ - ﴿ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله ﴾ أصل الغض النقص من كل شيء ومنه نقص الصوت ﴿ أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ﴾ قال الفراء : أخلص قلوبهم للتقوى كما يمتحن الذهب بالنار فيخرج جيده من رديئه ويسقط خبيثه وبه قال مقاتل ومجاهد وقتادة وقال الأخفش : اختصها للتقوى وقيل طهرها من كل قبيح وقيل وسعها وسرحها من منحت الأديم : إذا وسعته وقال أبو عمرو : كل شيء جهدته فقد منحته واللام في للتقوى متعلقة بمحذوف : أي صالحة للتقوى كقولك أنت صالح لكذا أو للتعليل الجاري مجرى بيان السبب كقولك جئتك لأداء الواجب : أي ليكون مجيئي سببا لأداء الواجب ﴿ لهم مغفرة وأجر عظيم ﴾ أي أولئك لهم فهو خبر آخر لاسم الإشارة ويجوز أن يكون مستأنفا لبيان ما أعد الله لهم في الآخرة
٤ - ﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ﴾ هم جفاة بني تميم كما سيأتي بيانه ووراء الحجرات خارجها وخلفها : والحجرات جمع حجرة كالغرفات جمع غرفة والظلمات جمع ظلمة وقيل الحجرات جمع حجرة والحجر جمع حجرة فهو جمع الجمع : والحجرة الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها وهي فعيلة بمعنى مفعولة قرأ الجمهور ﴿ الحجرات ﴾ بضم الجيم وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة بفتحها تخفيفا وقرأ ابن أبي عبلة بإسكانها وهي لغات ومن في من وراء لابتدائه الغاية ولا وجه للمنع من جعلها لهذا المعنى ﴿ أكثرهم لا يعقلون ﴾ لغلبة الجهل عليهم وكثرة الجفاء في طباعهم
٥ - ﴿ ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ﴾ أي لو انتظروا خروجك ولم يعجلوا بالمناداة لكان أصلح لهم في دينهم ودنياهم لما في ذلك من رعاية حسن الأدب مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ورعاية جانبه الشريف والعمل بما يستحقه من التعظيم والتجليل وقيل إنهم جاءوا شفعاء في أسارى فأعتق رسول الله صلى الله عليه و سلم نصفهم وفادى نصفهم ولو صبروا لأعتق الجميع ذكر معناه مقاتل ﴿ والله غفور رحيم ﴾ كثير المغفرة والرحمة بليغهما لا يؤاخذ مثل هؤلاء فيما فرط منهم من إساءة الأدب