ثم لما ذكر سبحانه أن أولئك الذين قالوا آمنا لمن يؤمنوا ولا دخل الإيمان في قلوبهم بين المؤمنين المستحقين لإطلاق اسم الإيمان عليهم فقال : ١٥ - ﴿ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ﴾ يعني إيمانا صحيحا خالصا عن مواطأة القلب واللسان ﴿ ثم لم يرتابوا ﴾ [ أي ] لم يدخل قلوبهم شيء من الريب ولا خالطهم شك من الشكوك ﴿ وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ﴾ أي في طاعته وابتغاء مرضاته ويدخل في الجهاد الأعمال الصالحة التي أمر الله بها فإنها من جملة ما يجاهد المرء نفسه حتى يقوم به ويؤيده كما أمر الله سبحانه والإشارة بقوله :﴿ أولئك ﴾ إلى الجامعين بين الأمور المذكورة وهو مبتدأ وخبره قوله :﴿ هم الصادقون ﴾ أي الصادقون في الاتصاف بصفة الإيمان والدخول في عداد أهله لا من عداهم ممن أظهر الإسلام بلسانه وادعى أنه مؤمن ولم يطمئن بالإيمان قلبه ولا وصل إليه معناه ولا عمل بأعمال أهله وهم الأعراب الذين تقدم ذكرهم وسائر أهل النفاق
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يقول لأولئك الأعراب وأمثالهم قولا آخر لما ادعوا أنهم مؤمنون فقال : ١٦ - ﴿ قل أتعلمون الله بدينكم ﴾ التعليم هاهنا بمعنى الإعلام ولهذا دخلت الباء في بدينكم : أي أخبرونه بذلك حيث قلتم آمنا ﴿ والله يعلم ما في السموات وما في الأرض ﴾ فكيف يخفى عليه بطلان ما تدعونه من الإيمان والجملة في محل النصب على الحال من مفعول تعلمون ﴿ والله بكل شيء عليم ﴾ لا تخفى عليه من ذلك خافية وقد علم ما تبطنونه من الكفر وتظهرونه من الإسلام لخوف الضراء ورجاء النفع
ثم أخبر الله سبحانه رسوله بما يقوله لهم عند المن عليه منهم بما يدعونه من الإسلام فقال : ١٧ - ﴿ يمنون عليك أن أسلموا ﴾ أي يعدون إسلامهم منة عليك حيث قالوا جئناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان ﴿ قل لا تمنوا علي إسلامكم ﴾ أي لا تعدوه منة علي فإن الإسلام هو المنة التي لا يطلب وليها ثوابا لمن أنعم بها عليه ولهذا قال :﴿ بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان ﴾ أي أرشدكم إليه وأراكم طريقه سواء وصلتم إلى المطرب أم تصلوا إليه وانتصاب إسلامكم إما على أنه مفعول به على تضمين يمنون معنى يعدون أو بنزع الخافض : أي لأن أسلموا وهكذا قوله :﴿ أن هداكم للإيمان ﴾ فإنه يحتمل الوجهين ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ فيما تدعونه والجواب محذوف يدل عليه ما قبله : أي إن كنتم صادقين فلله المنة عليكم قرأ الجمهور ﴿ أن هداكم ﴾ بفتح أن وقرأ عاصم بكسرها