بِهِمَا إذَا لَمْ يَتَنَاقَضَا. وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَطَفَ الرِّجْلَيْنِ عَلَى الرَّأْسِ، فَقَدْ يُنْصَبُ عَلَى خِلَافِ إعْرَابِ الرَّأْسِ أَوْ يُخْفَضُ مِثْلُهُ ; وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَأَصْحَابِهِ رُءُوسُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ لُغَةً وَشَرْعًا. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُحْتَمَلَةٌ لُغَةً مُحْتَمَلَةٌ شَرْعًا، لَكِنْ تُعَضَّدُ حَالَةُ النَّصْبِ عَلَى حَالَةِ الْخَفْضِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسَلَ وَمَا مَسَحَ قَطُّ، وَبِأَنَّهُ رَأَى قَوْمًا تَلُوحُ أَعْقَابُهُمْ، فَقَالَ ﴿ : وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ ﴾، ﴿ وَ وَيْلٌ < ٧٢ > لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّارِ ﴾. فَتَوَعَّدَ بِالنَّارِ عَلَى تَرْكِ إيعَابِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ ; فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ بِلَا خِلَافٍ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّ الرِّجْلَيْنِ مَمْسُوحَتَانِ لَمْ يَعْلَمْ بِوَعِيدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَرْكِ إيعَابِهِمَا. وَطَرِيقُ النَّظَرِ الْبَدِيعِ أَنَّ الْقِرَاءَتَيْنِ مُحْتَمَلَتَانِ، وَأَنَّ اللُّغَةَ تَقْضِي بِأَنَّهُمَا جَائِزَتَانِ، فَرَدَّهُمَا الصَّحَابَةُ إلَى الرَّأْسِ مَسْحًا، فَلَمَّا قَطَعَ بِنَا حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَفَ فِي وُجُوهِنَا وَعِيدُهُ، قُلْنَا : جَاءَتْ السُّنَّةُ قَاضِيَةً بِأَنَّ النَّصْبَ يُوجِبُ الْعَطْفَ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَدَخَلَ بَيْنَهُمَا مَسْحُ الرَّأْسِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَظِيفَتُهُ كَوَظِيفَتِهِمَا ; لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ قَبْلَ الرِّجْلَيْنِ لَا بَعْدَهُمَا، فَذُكِرَ لِبَيَانِ التَّرْتِيبِ لَا لِيَشْتَرِكَا فِي صِفَةِ


الصفحة التالية
Icon