الحزن : ألمٌ يجده الإنسان عند فَوت ما يحب. سارعَ في كذا : أسرع فيه وهو داخل فيه، وهنا الكفّار داخلين في الكفر. الفتنة : الاختبار، كما يُفتن الذهب بالنار. السحت : ما خبُث من المكاسب وحرم. المقسِط : العادل.
يا أيها الرسول : خطاب للنبي، وقد ورد الخطاب في جميع القرآن الكريم بعبارة « يا أيّها النبي » إلا هنا في هذه الآية، والآية ٦٧ من هذه السورة ﴿ ياأيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ﴾. هذا الخطاب للتشريف والتعظيم، وتعليمٌ للمؤمنين ان يخاطبوه بهذا الوصف العظيم.
أيها الرسول، لا تهتم بهؤلاء المنافقين الذين يتنقلون في مراتب الكفر من أدناها الى أَعلاها، ويسارعون في التحيز الى اعداء المؤمنين عندما يرون الفرصة سانحة، فالله يكفيك شرّهم، وينصرك عليهم وعلى من ناصرهم.
﴿ مِنَ الذين قالوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ... ﴾
.. الذين أدّعوا بألسنتهم ولم يؤمن قلوبهم.
﴿ وَمِنَ الذين هِادُواْ.. ﴾.
ومن اليهود الذي يُكثرون الاستماعَ إلى ما يقوله رؤساؤهم وأحبارهم في النبي ﷺ والاستجابة لطائفة منهم، لم يحضروا مجلسَك تكبُّراً وبغضاً. فهم جواسيس بين المسلمين يبلّغون رؤساءَهم أعداءَ الاسلام كل ما يقفون عليه من أخبار، ويحرّفون ما يحرفون، ثم ينقلون تلك الأكاذيب الى الأحبار المتخلّفين عن الحضور.
﴿ يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ.. ﴾.
اي يحرّفون كلام التوراة بعد أن ثبّته الله في مواضعه المعّينة إما تحريفاً لفظياً بإبدال كلماته، أو باخفائه وكتمانه تسهيلاً لزيادةٍ فيه او النقص منه، وإما تحريفاً معنوياً بالالتواء في التفسير.
روى الامام أحمد والبخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه قال :« ان اليهود أتوا النبي صلى لله عليه وسلم برجلٍ منهم امرأةٍ قد زنيا فقال : ما تجدون في كتابكم؟ قالوا : نُسَخِّم وجوههما ويخزيان، قال : كذبتم ان فيها الرجم، فأتُوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتُم صادقين. فجاؤوا بالتوراة مع قارىء لهم أعور يقال له ابن صوريا. فقرأ، حتى اذا أتى الى موضع منها وضع يده عليه، فقي له : ارفع يدك. فرفع يده، فاذا هي تلوح » يعني آية الرجم «، فقالوا : يا محمد، إن فيها الرجم، ولكنّا كنّا نتكاتمه بيننا. فأمر بهما رسول الله فرُجما ».
ومن قبيل ذلك ما قاله مارتن لوثر في كتابه : اليهود وأكاذيبهم. « هؤلاء هم الكاذبون الحقيقيون مصّاصو الدماء، الذين لم يكتفوا بتحريف الكتاب المقدّس وإفساده، من الدفة الى الدفة، بل ما فتئوا يفسّرون محتوياته حسب أهوائهم وشهواتهم... الخ » وهي كلمة طويلة.
﴿ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ... ﴾
يقول اولئك الرؤساء لأتباعهم الذين أرسلوهم ليسألوا النبيّ عن حكم الرجل والمرأة الزانين إن اعطاكم محمد رخصة بالجَلد عوضاً عن الرجّم فخُذوها، وارضوا بها، وإن حكَمَ بالرَّجم فارفضوا ذلك.


الصفحة التالية
Icon