نقذِف : نرمي. فيدمغُه : فيُبطله ويمحوه. ومن معاني الدمغ : الكسرُ والشجّ. زاهق : زائل، هالك. ومن عنده : يعني من عند الله، وهم الملائكة. ينشرون : يحيون، انشر أحيا. ولا يستحسرون : لا يتعبون. لا يفترون : لا يضعفون؛ ولا يتراخون.
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ ﴾.
لقد خلق اللهُ سبحانه هذا الكون لحكمة عنده، لا لعباً ولا لهوا... خَلَقَه بنظام محكَم، وصنعٍ بديع. فتكوينُ العالم وإبداع هذا الخلق مؤسس على قواعدَ أصيلة، وغايات جليلة محكمة.
﴿ لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾.
ولو أراد الله تعالى ان يتخذ لهواً لاتخذه من عنده، ولكن هذا مستحيل عليه، ولن يفعله، ولا يليق به. وانما خَلَقَنا اللهُ لحكمة، وصوَّرَنا لغايةٍ سامية.
﴿ بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الويل مِمَّا تَصِفُونَ ﴾.
بل أمْرُنا الذي يليق بنا أن لا يكون هناك لهو، وإنما هو جِدٌّ فنقذف الحقَّ في وجه الباطل فيمحوه ويبطله، فإذا هو هالك زائل، والويلُ لكم أيها الكافرون من وصفِكم ربكم بصفاتٍ لا تليق بهن وافترائكم على الله ورسوله.
هذه هي سُنّة الحاية الأصلية، الحقُّ دائما يعلو، واذا تفشّى الباطل وعلا امره فانما يكون ذلك من تقصير منا، وتخاذلٍ في أمرنا، وبعدٍ عن ديننا، وفي الحديث الشريف :« للباطل صولة ثم يضمحلّ ».
﴿ وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾.
للهِ وحده كل ما في هذا الكون خَلْقاً ومُلْكا، فمن حقه وحده أن يُعبَدَ. والملائكة عنده يعبدونه حقاً ولا يستكبرون عن عبادته والخضوع له، ولا يكِلّون ولا يتعبون.
﴿ يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ ﴾.
فهم دائبون في العبادة ليلَ نهار، لا يتخلَّل تسبحّهم وتنزيههم لله فتورٌ ولا ملل.
﴿ أَمِ اتخذوا آلِهَةً مِّنَ الأرض هُمْ يُنشِرُونَ ﴾.
بل عبدوا غيرَ الله، واتخذوا آلهةً من هذه الأرض من الأصنام وغيرها. كيف يعبدون هذه الأصنام وهي لا تستطيع إعادة الحياة!
ثم أقام الدليلَ العقلي على التوحيد ونفيِ تعدُّد الآلهة فقال :
﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا ﴾.
لو كان في السموات والارض إله آخر غير الله لوقع الاضطرابُ والفساد في هذا الكون، واختلّ النظام فيه بتعدد الآراء، واختلاف الأوامر.
﴿ فَسُبْحَانَ الله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ ﴾.
فتنزيهاً لله ربّ العرش المحيط بهذا الكون، عما يقول هؤلاء المشركون.
﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾.
الله تعالى هو الحاكم المطلق، لا معقّب لحكمه، وإرادته طليقةٌ لا يحدّها قيد من إرادةٍ اخرى، فهو لا يحاسَب ولا يسأل عما يفعل، فهو الحكيم العليم، لا يخطىء في فعل شيء، والخلقُ جميعهم يُسألون.