كلاّ : تأتي لمعانٍ أربعة :
الأول : ان تكون للردع والزجر، وهو الغالبُ في استعمالها، مثل قوله تعالى ﴿ قَالَ أَصْحَابُ موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [ الشعراء : ٦١، ٦٢ ] والمعنى انتهوا عن القول.
الثاني : ان تكون للرد والنفي فتردّ شيئا وتثبت آخر مثل ان يقول المريضُ الذي لم يعمل ينصح طبيبه : شربتُ ماء، فيقول الطبيب : كلا، بل شربتَ لبنا. معناه ما شربت ماء، ولكنْ شربتَ لبنا.
الثالث : تكون بمعنى ألا، يُستفتح بها الكلامُ للتنبيه، مثل قوله تعالى :﴿ كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى ﴾ [ العلق : ٦، ٧ ].
الرابع : ان تجيء جواباً بمعنى حقاً وتكون مع القسَم، مثل قوله تعالى هنا :﴿ كَلاَّ والقمر ﴾ ومعناه حقاً، وأُقسم بالقمر الخ....
أدبر : ولى. أسفر : اضاء. انها لإحدى الكبر : غن جهنم لاحدى الدواهي الكبيرة. رهينة : مرتهنة بعملها. ما سَلككم : ما ادخلكم. نخوض مع الخائضين : نخالط اهل الباطل في باطلهم وكثر من الكلام الذي لا خير فيه. حتى أتانا اليقين : حتى اتانا الموت. مستنفرة : نافرة، هاربة. القسورة : الأسد. منشَّرة : منشورة.
كلا : لا سبيلَ لكم إلى إنكار سقَرَ وصفتها المخيفة. وأُقسِم بالقمر، وبالليلِ إذا ولّى وذهب، وبالصُّبح إذا تبلّج وأضاء - إن جهنّم لإحدى البلايا الكبار والدواهي العِظام لإنذار البشَر لمن شاءَ ان يقبلَ الإنذارَ او يتولّى عنه.
وهذا تهديد وإعلام بأن من تقدم الى الطاعة والايمان بمحمد ﷺ جازاه الله بثواب لا ينقطع ابدا، ومن تأخر عن الطاعة ولم يؤمن بمحمد عوقب عقابا لا ينقطع ابدا.
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾
فهي محبوسة بعملها، مرهونة عند الله بكسْبها. ﴿ إِلاَّ أَصْحَابَ اليمين ﴾ لأنهم فكّوا رقابَهم بحُسْنِ أعمالهم، وبطاعتهم وإيمانهم.. ولذلك فانهم ﴿ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ المجرمين ﴾ ؟.
فقد جزاهم الله أحسنَ الجزاءِ فهم في غرفاتِ الجناتِ يسألُ بعضهم بعضاً عن المجرمين. ويقولون لهم :﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ ﴾ ما الذي أدخلكم جهنم؟ فاجابوهم أن هذا العذابَ الذي هم فيه سببه اربعة أمور :
الاول :﴿ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المصلين ﴾ لم نصلِّ مطلقا لاننا لم نكن نعتقد بوجوب الصلاة علينا.
الثاني :﴿ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المسكين ﴾ ولم نكن من المحسنين، ولم نتصدق بفضل اموالنا على الفقراء والمساكين.
الثالث :﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين ﴾ وكنا لا نبالي بالخوض في الباطل مع من يخوض فيه، ونكثر من الكلام الذي لا خير فيه : في حق محمد واصحابه، وفي امر القرآن فنقول انه سحر وشعر وكهانة.
الرابع :﴿ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدين ﴾ وكنا نكذب بيوم القيامة، ولم يؤمن بالبعث والنشور والجزاء والحساب، ﴿ حتى أَتَانَا اليقين ﴾ حتى جاءنا الموت فعرفنا اننا كنا في ضلال تائهين.
ولذلك قال الله تعالى معقبا على اعترافهم بجرمهم ﴿ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشافعين ﴾ فهم بعد اتصافهم بهذه الصفات واعترافهم بجريمتهم لا يمكن ان يشفع لهم احد، لأن لهم النار خالدين فيها ابدا.


الصفحة التالية
Icon