﴿تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَنعم أجر العاملين (١٣٦) قد خلت من قبلكُمْ سنَن فسيروا فِي الأَرْض فانظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المكذبين (١٣٧) هَذَا بَيَان للنَّاس وَهدى﴾
وَسُئِلَ ابْن المعتز: إِذا كَانَ الله - تَعَالَى - وَاسع الْمَغْفِرَة، وسعت رَحمته كل شَيْء فَمَا يمنعهُ أَن يرحم الْكَافِر؟ فَقَالَ: إِن رَحمته لَا تغلب حكمته.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قد خلت من قبلكُمْ سنَن﴾ قَرَأَ ابْن مَسْعُود: " قد مَضَت "، وَهُوَ بِمَعْنى خلت. السّنة: هِيَ الطَّرِيقَة المتبعة فِي الْخَيْر وَالشَّر.
وَقد قَالَ فِي الْمَجُوس: " سنوا بهم سنة أهل الْكتاب " وَكَانَت شرا لَهُم. وَقَالَ الشَّاعِر:

(وَإِن الآلى بالطف من آل هَاشم تأسوا فسنوا للكرام التأسيا)
قَالَ ابْن عَبَّاس: سنَن [الَّذين] من قبلكُمْ، وَهِي وقائع الله على الْكفَّار. وَقَالَ غَيره: هِيَ الْأَعْلَام والْآثَار الَّتِي كَانَت. وَحَقِيقَة الْمَعْنى: أَنَّهَا طرائق الله فِي الْكفَّار، وبقتلهم، وَسَبْيهمْ وتخريب دِيَارهمْ، وَنَحْوه، قَالَ الزّجاج: ﴿قد خلت من قبلكُمْ سنَن﴾ أَي: أهل سنَن. ﴿فسيروا فِي الأَرْض فانظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المكذبين﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿هَذَا بَيَان للنَّاس وَهدى وموعظة لِلْمُتقين﴾ قَالَ الشّعبِيّ: بَيَان من الْعَمى، وَهدى من الضَّلَالَة، وموعظة من الْجَهْل؛ فالبيان: هُوَ إِظْهَار معنى الْكَلَام، وَالْمَوْعِظَة: هِيَ الدُّعَاء إِلَى الْحق بالترغيب والترهيب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا تنهوا وَلَا تحزنوا﴾ أَي: وَلَا تضعفوا، وَلَا تجبنوا، وَلَا تحزنوا، ﴿وَأَنْتُم الأعلون﴾ أَي: تكون لكم الْعَاقِبَة والنصرة.
وَقيل: إِنَّمَا قَالَ ﴿وَأَنْتُم الأعلون﴾ ؛ لِأَن الْمُسلمين كَانُوا على الْجَبَل، وَالْمُشْرِكين فِي


الصفحة التالية
Icon