﴿وموعظة لِلْمُتقين (١٣٨) وَلَا تهنوا وَلَا تحزنوا وَأَنْتُم الأعلون إِن كُنْتُم مُؤمنين (١٣٩) إِن يمسسكم قرح فقد مس الْقَوْم قرح مثله وَتلك الْأَيَّام نداولها بَين النَّاس وليعلم الله﴾
أَسْفَل الْجَبَل، وَقَوله: ﴿إِن كُنْتُم مُؤمنين﴾ أَي: لَا تهنوا إِن كُنْتُم مُؤمنين؛ لِأَن الْإِيمَان يزِيد الْقُوَّة فَلَا يُورث الوهن.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿إِن يمسسكم قرح﴾ تقْرَأ: بِفَتْح الْقَاف، وضمنها، وَقَالَ الْفراء: الْقرح - بِالْفَتْح -: الْجراحَة، والقرح: الْأَلَم، وَقَالَ الْكسَائي: هما عبارتان عَن معنى وَاحِد. وَالْأَكْثَرُونَ على القَوْل الأول، وَقَوله: ﴿إِن يمسسكم قرح﴾ خطاب للْمُسلمين فِيمَا مسهم يَوْم أحد ﴿فقد مس الْقَوْم قرح مثله﴾ أَي: مس الْكفَّار يَوْم بدر (قرح) مثل مَا مسكم يَوْم أحد.
﴿وَتلك الْأَيَّام نداولها بَين النَّاس﴾ فَتَارَة تكوم الدولة للْمُسلمين على الْكفَّار، وَتارَة للْكفَّار على الْمُسلمين، قَالَ الزّجاج: الدولة تكون للْمُسلمين على الْكفَّار، وَقد كَانَت الدولة للْكفَّار على الْمُسلمين؛ لما خالفوا أَمر الرَّسُول، فَإِن لم يخالفوا أمره كَانَت الدولة للْمُسلمين أبدا؛ لقَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن جندنا لَهُم الغالبون﴾ ؛ وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَإِن حزب الله هم الغالبون﴾.
﴿وليعلم الله الَّذين آمنُوا﴾ قَرَأَ ابْن مَسْعُود: " وليبلي الله الَّذين آمنُوا "، وَالْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة: ﴿وليعلم﴾، فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى قَوْله: ﴿وليعلم الله الَّذين آمنُوا﴾، وَهُوَ عَالم بهم أبدا؟ قيل: مَعْنَاهُ: وليعلم الصابرين على الْجِهَاد فِي مَوَاطِن الْجِهَاد ليعاملهم مُعَاملَة من يبتليهم؛ فيعلمهم، وَالْعلم بِالْجِهَادِ فِي مَوَاطِن الْجِهَاد إِنَّمَا يَقع بعد وُقُوع الْجِهَاد، وَقيل: الْعلم الأول: علم الْغَيْب، وَقَوله: ﴿وليعلم﴾ يَعْنِي: علم الْمُشَاهدَة، والوقوع والمجازة على علم الْوُقُوع لَا على علم الْغَيْب.
﴿ويتخذ مِنْكُم شُهَدَاء وَالله لَا يحب الظَّالِمين﴾ يَعْنِي: أَنه مَا جعل الْيَد للْكفَّار يَوْم أحد لحبه إيَّاهُم؛ وَلَكِن ليبتليكم، ويجعلكم شُهَدَاء.


الصفحة التالية
Icon