﴿أردنَا إِلَّا إحسانا وتوفيقا (٦٢) أُولَئِكَ الَّذين يعلم الله مَا فِي قُلُوبهم فَأَعْرض عَنْهُم وعظهم وَقل لَهُم فِي أنفسهم قولا بليغا (٦٣) وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا ليطاع بِإِذن الله وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لَهُم الرَّسُول لوجدوا الله تَوَّابًا رحِيما﴾
وَأما التَّوْفِيق: مُوَافقَة الْحق، وَقيل: هُوَ التَّأْلِيف وَالْجمع بَين الْخَصْمَيْنِ. وَمعنى الْآيَة: أَن الْمُنَافِقين يحلفُونَ مَا أردنَا بالتحاكم إِلَى غَيْرك إِلَّا إحسانا وتوفيقا.
وقِي الْآيَة قَول آخر: أَنَّهَا فِي الْمُنَافِقين، حلفوا فِي الْمَسْجِد الَّذِي بنوا ضِرَارًا على مَا هُوَ مَذْكُور قي سُورَة التَّوْبَة ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِن أردنَا إِلَّا الْحسنى﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذين يعلم الله مَا فِي قُلُوبهم﴾ خلاف مَا على ألسنتهم ﴿فَأَعْرض عَنْهُم وعظهم﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يتَصَوَّر الْجمع بَين الْإِعْرَاض والوعظ وَقد أَمر الله تَعَالَى بهما؟
قيل مَعْنَاهُ: فَأَعْرض عَن عقوبتهم، وعظهم.
وَقيل: مَعْنَاهُ: فَأَعْرض عَن قبُول عذرهمْ، وعظهم ﴿وَقل لَهُم فِي أنفسهم قولا بليغا﴾ القَوْل البليغ: هُوَ مَا يبلغ الْإِنْسَان بِلِسَانِهِ كنه مَا فِي قلبه، وَقيل: هُوَ التخويف بِاللَّه تَعَالَى وَقيل: هُوَ أَن يَقُول: إِن رجعتم إِلَى هَذَا، فأمركم الْقَتْل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا ليطاع بِإِذن الله﴾ قَالَ أهل الْمعَانِي: قَوْله ﴿إِلَّا ليطاع﴾ كَلَام كَاف مُفِيد بِنَفسِهِ، وَقَوله: ﴿بِإِذن الله﴾ كَلَام آخر وَمَعْنَاهُ بِعلم الله وَقَضَاء الله يعْنى: أَن طَاعَته تقع بِإِذن الله.
﴿وَلَو أَنهم﴾ يَعْنِي: الْمُنَافِقين ﴿إِذا ظلمُوا أنفسهم﴾ يعْنى: بالتحاكم إِلَى الطاغوت ﴿جاءوك فاستغفروا الله﴾ لأَنهم مَا جَاءُوا مستغفرين، وَإِنَّمَا جَاءُوا معتذرين بالأعذار الكاذبة.
قَوْله: ﴿فاستغفروا الله﴾ أَي: سَأَلُوا مغْفرَة الله، ﴿واستغفر لَهُم الرَّسُول﴾ أَي: دَعَا لَهُم الرَّسُول بالاستغفار ﴿لوجدوا الله تَوَّابًا رحِيما﴾.