﴿الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح بشرا بَين يَدي رَحمته حَتَّى إِذا أقلت سَحَاب اثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا بِهِ المَاء فأخرجنا بِهِ من كل الثمرات كَذَلِك نخرج الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ﴾ من الْمُحْسِنِينَ) فَإِن قيل: الْقَرِيب نعت الْمُذكر، وَالرَّحْمَة مُؤَنّثَة، وَالله - تَعَالَى - قَالَ: قريب، وَلم يقل: قريبَة؛ قيل: قَالَ الزّجاج: الرَّحْمَة هَاهُنَا بِمَعْنى الْعَفو والغفران، وَقَالَ الْأَخْفَش: هِيَ بِمَعْنى الإنعام؛ فَيكون النَّعْت رَاجعا إِلَى الْمَعْنى دون اللَّفْظ، قَالَ الْفراء: إِذا كَانَ الْقرب فِي النّسَب؛ فنعت الْمُؤَنَّث مِنْهُ يكون على التَّأْنِيث، وَأما الْقرب فِي غير النّسَب؛ فالنعت مِنْهُ يذكر وَيُؤَنث، وانشدوا فِيهِ:

(عَشِيَّة لَا عفراء مِنْك قريبَة فتدنو وَلَا عفراء مِنْك بعيد)
فَذكر النَّعْت مرّة على التَّأْنِيث، وَمرَّة على التَّذْكِير.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح بشرا﴾ يقْرَأ: " بشرا " من الْبشَارَة، وَيقْرَأ: " نشرا " وَهُوَ جمع النشور، كالرسول وَالرسل، وَذَلِكَ ريح طيبَة، وَيقْرَأ: " نشرا " بجزم الشين، وَهُوَ جمع النشور أَيْضا كالرسول وَالرسل وَالْكتاب والكتب.
﴿بَين يَدي رَحمته﴾ يَعْنِي: الْمَطَر ﴿حَتَّى إِذا أقلت﴾ أَي: حملت: ﴿سحابا ثقالا﴾ يَعْنِي: بِالْمَاءِ ﴿سقناه لبلد ميت فأنزلنا بِهِ المَاء فأخرجنا بِهِ من كل الثمرات كَذَلِك نخرج الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ﴾ اسْتدلَّ بإحياء الأَرْض بعد مَوتهَا على إحْيَاء الْمَوْتَى، وَفِي ذَلِك دَلِيل بَين، وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَن بَين النفختين أَرْبَعِينَ عَاما فَيُرْسل الله - تَعَالَى - مَطَرا من السَّمَاء كَمثل منى الرِّجَال، فَيدْخل الأَرْض؛ فينبت مِنْهُ النَّاس، ثمَّ يحشرون بالنفخة الثَّانِيَة ".


الصفحة التالية
Icon