﴿مُحِيط (٤٧) وَإِذ زين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم وَقَالَ لَا غَالب لكم الْيَوْم من النَّاس وَإِنِّي جَار لكم فَلَمَّا تراءت الفئتان نكص على عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُم وَإِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ إِنِّي أَخَاف الله وَالله شَدِيد الْعقَاب (٤٨) إِذْ يَقُول المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض﴾ بفخرها وخيلائها تُحَادك وتحاد رَسُولك " الْخَبَر إِلَى آخِره.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذ زين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم وَقَالَ لَا غَالب لكم الْيَوْم من النَّاس﴾ الْآيَة. رُوِيَ أَن إِبْلِيس - عَلَيْهِ مَا يسْتَحق - تمثل فِي صُورَة سراقَة بن مَالك وَقَالَ للْمُشْرِكين: ﴿وَإِنِّي جَار لكم﴾ مَعْنَاهُ: مجير لكم من بني كنَانَة، فَلَا يُصِيبكُم مِنْهُم سوء، ثمَّ جعل يحرضهم على الْقِتَال ﴿فَلَمَّا تراءت الفئتان﴾ أَي: تلاقت الفئتان، الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُشْرِكُونَ ﴿نكص على عَقِبَيْهِ﴾ رَجَعَ الْقَهْقَرِي على عَقِبَيْهِ ﴿وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُم﴾ فِي الْقِصَّة: أَنه كَانَ آخِذا بيد الْحَارِث بن هِشَام أخي أبي جهل، فَلَمَّا رأى الْمَلَائِكَة ينزلون من السَّمَاء يقدمهم جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - نزع يَده من يَد الْحَارِث وهرب، فَقَالَ لَهُ الْحَارِث: أفرارا من غير قتال؟ وَجعل يمسِكهُ، فَدفع فِي صَدره وَقَالَ: ﴿إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ﴾ وهرب ﴿إِنِّي أَخَاف الله﴾.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ إِنِّي أَخَاف الله وَقد ترك السُّجُود لآدَم وَهُوَ لم يخف الله؟ الْجَواب فِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا: أَنه قَالَ هَذَا كذبا، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه خَافَ أَن يُؤْخَذ فيفتضح بَين الْإِنْس. وَمِنْهُم من قَالَ: خَافَ أَنه قد حضر أَجله ﴿وَالله شَدِيد الْعقَاب﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذْ يَقُول المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض غر هَؤُلَاءِ دينهم﴾ هَؤُلَاءِ قوم كَانُوا أَسْلمُوا بِمَكَّة وَلم يهاجروا، فَكَانَ فِي قُلُوبهم بعض الريب، فَخَرجُوا مَعَ الْمُشْركين وَقَالُوا: إِن نرى مَعَ مُحَمَّد قُوَّة انتقلنا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَوْا قلَّة الْمُؤمنِينَ وَضعف شوكتهم قَالُوا هَذَا القَوْل، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة ﴿إِذْ يَقُول المُنَافِقُونَ﴾ الْآيَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمن يتوكل على الله﴾ وَمن يَثِق بِاللَّه ﴿فَإِن الله عَزِيز حَكِيم﴾ قد


الصفحة التالية
Icon