﴿فاعلين (١٠) قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَك لَا تأمنا على يُوسُف وَإِنَّا لَهُ لناصحون (١١) أرْسلهُ مَعنا غَدا يرتع ويلعب وَإِنَّا لَهُ لحافظون (١٢) قَالَ إِنِّي ليحزنني أَن تذْهبُوا بِهِ وأخاف﴾ بِأَنَّهُم قَالُوا: " أرْسلهُ مَعنا غَدا نرتع وَنَلْعَب "، واللعب فعل الصغار لَا فعل الْكِبَار.
وَأَجَابُوا عَن هَذَا: أَنهم لم يذكرُوا لعبا حَرَامًا، وَإِنَّمَا عنوا لعبا مُبَاحا.
وَحكي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: ﴿نلعب﴾ فَقيل لَهُ: كَيفَ قَالُوا: " نلعب " وَقد كَانُوا أَنْبيَاء؟ فَقَالَ: هَذَا قبل أَن نبأهم الله تَعَالَى.
قَوْله تَعَالَى ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَالك لَا تأمنا على يُوسُف﴾ بدءوا أَولا (بالإنكار) عَلَيْهِ فِي ترك إرْسَاله مَعَهم وَحفظه مَعَ نَفسه من بَينهم، كَأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ: إِنَّك لَا ترسله مَعنا أتخافنا عَلَيْهِ؟ !
قَوْله: ﴿وَإِنَّا لَهُ لناصحون﴾ النصح هَاهُنَا: هُوَ الْقيام بمصلحه، وَقيل: إِنَّه الْبر والعطف، وَمَعْنَاهُ: إِنَّا عاطفون عَلَيْهِ، بارون بِهِ، قائمون بمصلحته.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أرْسلهُ مَعنا غَدا نرتع وَنَلْعَب وَإِنَّا لَهُ لحافظون﴾ قَوْله: ﴿نرتع﴾ الرتع: هُوَ الاتساع فِي الملاذ فِي طلب وجوهها يَمِينا وَشمَالًا. وَقيل معنى الْآيَة: نَأْكُل وَنَشْرَب وننشط ونلهو. وقرىء: " يرتع ويلعب " بِالْيَاءِ، وَهُوَ فِي معنى الأول، إِلَّا أَنه ينْصَرف إِلَى يُوسُف خَاصَّة، وقرىء: " يرتعي " وَهُوَ يفتعل من الرَّعْي، وَمَعْنَاهُ: إِنَّه يرْعَى الْمَاشِيَة كَمَا نرعى. وَقَوله: ﴿وَإِنَّا لَهُ لحافظون﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ إِنِّي ليحزنني أَن تذْهبُوا بِهِ﴾ مَعْنَاهُ: إِنِّي ليغمني أَن تذْهبُوا بِهِ؛ والحزن هَاهُنَا: ألم الْقلب بِفِرَاق المحبوب. وَقَوله: ﴿وأخاف أَن يَأْكُلهُ الذِّئْب﴾ فِي الْقِصَّة: أَن يَعْقُوب صلوَات الله عَلَيْهِ كَانَ رأى فِي الْمَنَام كَأَن ذئبا شدّ على يُوسُف - وَكَانَ يخَاف من ذَلِك - فَقَالَ مَا قَالَ بذلك الْخَوْف. وَقد قَالَ بَعضهم: إِنَّه أَرَادَ بالذئب إيَّاهُم. وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء؛ لِأَنَّهُ لَو خافهم عَلَيْهِ لم يَدْفَعهُ إِلَيْهِم، وَمَا كَانَ يجوز لَهُ ذَلِك، وَلِأَنَّهُ معنى متكلف مستكره، فَلَا يجوز أَن يُصَار إِلَيْهِ. وَقَوله: ﴿وَأَنْتُم عَنهُ غافلون﴾


الصفحة التالية
Icon