﴿تَأْوِيل الْأَحَادِيث وَالله غَالب على أمره وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ (٢١) وَلما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وَكَذَلِكَ نجزي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) وراودته الَّتِي هُوَ فِي بَيتهَا عَن﴾
وَالْقَوْل الثَّانِي: وَالله غَالب على أَمر يُوسُف بِالتَّدْبِيرِ والحياطة حَتَّى يبلغهُ مُنْتَهى علمه فِيهِ. وَقَوله: ﴿وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ﴾ ظَاهر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلما بلغ أشده﴾ الْأَكْثَرُونَ على أَن الأشد: ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وإليها تَنْتَهِي، يَعْنِي: قُوَّة الشَّبَاب. وَقيل: ثَلَاثُونَ سنة. وَقيل: من تَمام [ثَمَانِي عشرَة] سنة إِلَى أَرْبَعِينَ. وَسُئِلَ مَالك عَن الأشد، فَقَالَ: هُوَ الْحلم.
وَقَوله ﴿آتيناه حكما وعلما﴾ أَي: فقها وعقلا. وَقيل: الحكم: النُّبُوَّة، وَالْعلم: هُوَ الْفِقْه فِي الدّين. وَالْفرق بَين الْحَكِيم والعالم: أَن الْعَالم هُوَ الَّذِي يعلم الْأَشْيَاء، والحكيم: هُوَ الَّذِي يعلم بِمَا يُوجِبهُ الْعلم. وَقيل: هُوَ الَّذِي يمْنَع نَفسه عَمَّا يجهله ويسفهه، وَمِنْه حِكْمَة الدَّابَّة؛ لِأَنَّهَا تمنع الدَّابَّة عَن الْفساد. قَالَ الشَّاعِر:
(أبني حنيفَة أحكموا سفهاءكم | إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم أَن أغضبا) |
وَقَوله: ﴿وَكَذَلِكَ نجزي الْمُحْسِنِينَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وراودته الَّتِي هُوَ فِي بَيتهَا عَن نَفسه﴾ معنى المراودة: طلب الْفِعْل، وَالْمرَاد هَاهُنَا: هُوَ الدُّعَاء إِلَى الْفَاحِشَة. وَقَوله: ﴿وغلقت الْأَبْوَاب﴾ يَعْنِي: أطبقت الْأَبْوَاب واستوثقت مِنْهَا، وَيُقَال: إِنَّهَا غلقت سَبْعَة أَبْوَاب. وَقَوله: ﴿وَقَالَت هيت لَك﴾ مَعْنَاهُ: هَلُمَّ، وعَلى هَذَا أَكثر الْمُفَسّرين. وَقيل: مَعْنَاهُ: تعال أَنا لَك. وقريء: " هيت لَك " أَي: تهيأت لَك. وَأنكر الْكسَائي هَذِه الْقِرَاءَة. قَالَ الشَّاعِر فِي قَوْله هيت:
(أبلغ أَمِير الْمُؤمنِينَ | أَخا الْعرَاق إِذا أَتَيْنَا) |
(أَن الْعرَاق وَأَهله | عنق إِلَيْك فهيت هيتا) |