﴿فَمن أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَأُولَئِك يقرءُون كِتَابهمْ وَلَا يظْلمُونَ فتيلا (٧١) وَمن كَانَ فِي هَذِه أعمى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى وأضل سَبِيلا (٧٢) وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك عَن﴾
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَمن أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَأُولَئِك يقرءُون كِتَابهمْ﴾ وَالْكتاب: هُوَ صحيفَة الْحَسَنَات والسيئات.
وَقَوله: ﴿وَلَا يظْلمُونَ فتيلا﴾ أَي: لَا ينقص من حَقهم بِقدر الفتيل.
والفتيل: هُوَ الَّذِي فِي شقّ النواة، وَقيل: مَا فتل بَين الْأَصَابِع.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمن كَانَ فِي هَذِه أعمى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى وأضل سَبِيلا﴾ لَيْسَ الْعَمى هَاهُنَا هُوَ عمى الْبَصَر؛ لِأَن النَّاس يحشرون بأتم خلق مصححة الأجساد لخلود الْأَبَد. وَفِي الْخَبَر عَن النَّبِي قَالَ: " تحشرون يَوْم الْقِيَامَة حُفَاة عُرَاة غرلًا بهما " وَقَوله: بهما: أَي: مصححة الأجساد للخلود. فعلى هَذَا معنى قَوْله: ﴿وَمن كَانَ فِي هَذِه أعمى﴾ أَي: أعمى الْقلب عَن رُؤْيَة [الْحق] ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى﴾ أَي: أَشد عمى.
وَقيل مَعْنَاهُ: من كَانَ فِي هَذِه الدُّنْيَا بَعيدا عَن الْحق، فَهُوَ فِي الْآخِرَة أبعد، وَقيل: من كَانَ فِي هَذِه الدُّنْيَا أعمى من الِاعْتِبَار، فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى عَن الِاعْتِذَار.
وَقَوله: ﴿وأضل سَبِيلا﴾ أَي: أَخطَأ طَرِيقا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك عَن الَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك﴾ مَعْنَاهُ: ليصرفونك عَن الَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك. وَسبب نزُول الْآيَة أَن الْمُشْركين قَالُوا للنَّبِي: اطرد هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاء عَنْك حَتَّى نجلس مَعَك ونسلم؛ فهم أَن يفعل ثمَّ يَدعُوهُم من بعد، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة. وَعَن سعيد بن جُبَير وَمُجاهد أَنَّهُمَا قَالَا: طلبُوا من النَّبِي أَن يمس آلِهَتهم حَتَّى يسلمُوا ويتبعوه، فَقَالَ النَّبِي فِي نَفسه: وَمَا عَليّ أَن أفعل ذَلِك إِذا علم الله مني أَنِّي كَارِه لَهُ، وَكَانَ ذَلِك خاطر قلب، وَلم يكن عزما - فَأنْزل