﴿قَالَ ألقها يَا مُوسَى (١٩) فألقاها فَإِذا هِيَ حَيَّة تسْعَى (٢٠) قَالَ خُذْهَا وَلَا تخف﴾ أهل الْمعَانِي: كَانَ يقتل بهَا الْحَيَّات، ويحارب بهَا السبَاع، وَيحمل بهَا الزَّاد وَالنَّفقَة، ويصل الْحَبل إِذا استقى من الْبِئْر، ويستظل بهَا إِذا قعد، وَعَن الضَّحَّاك: كَانَت تضئ لَهُ بِاللَّيْلِ بِمَنْزِلَة السراج، وَقَالَ وهب: كَانَت الْعَصَا من آس الْجنَّة، وطولها اثْنَا عشر ذِرَاعا، وَلها شعبتان، وَعَلَيْهَا محجن. وَعَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: كَانَ اسْم الْعَصَا مَا شَاءَ. وأنشدوا فِي الهش:
(أهش بالعصا على أغنامي | من ناعم الْأَرَاك والبشام) |
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ ألقها يَا مُوسَى﴾ أَي: انبذها.
وَقَوله: ﴿فألقاها﴾ أَي: نبذها.
وَقَوله: ﴿فَإِذا هِيَ حَيَّة تسْعَى﴾ أَي: تجئ وَتذهب، وَذكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام نظر فَإِذا الْعَصَا صَارَت حَيَّة من أعظم مَا يكون من الْحَيَّات، وَصَارَت شعبتاها شدقين، والمحجن صَار عرفا يَهْتَز كالبتارك وعيناها تتقدان كالنار، وَهِي تمر بِالْحجرِ كَالْجمَلِ البارك فتبتلعه، وَلها أَنْيَاب تقصف الشّجر، فَرَأى مُوسَى أمرا عَظِيما فهرب، ثمَّ تذكر أَمر ربه، فَوقف مستحيا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ خُذْهَا وَلَا تخف﴾ لما هرب مُوسَى، قَالَ الله تَعَالَى لَهُ: ﴿أقبل وَلَا تخف﴾، فَلَمَّا أقبل، قَالَ: ﴿خُذْهَا﴾.
وَفِي الْقِصَّة: أَنه كَانَ على مُوسَى مدرعة من صوف، قد خللها بعيدان، فَلَمَّا قَالَ الله لَهُ: ﴿خُذْهَا﴾، لف طرف كم المدرعة على يَده، فَأمره الله أَن يكْشف يَده، فكشف يَده، ووضعها فِي شدق الْحَيَّة، فَإِذا هِيَ عَصا كَمَا كَانَت، وَإِذا يَده فِي شعبتها.
وَذكر بَعضهم: أَنه لما لف كم المدرعة على يَده، قَالَ لَهُ ملك: أَرَأَيْت لَو أذن الله لمن تحذره، أَكَانَت تغني عَنْك مدرعتك؟ فَقَالَ أَنا ضَعِيف، خلقت من ضعف.
الصفحة التالية