﴿مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) ثمَّ يَأْتِي من بعد ذَلِك سبع شَدَّاد يأكلن مَا قدمتم لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلا مِمَّا تحصنون (٤٨) ثمَّ يَأْتِي من بعد ذَلِك عَام فِيهِ يغاث النَّاس وَفِيه يعصرون (٤٩) وَقَالَ الْملك ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُول قَالَ ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ مَا بَال النسْوَة اللَّاتِي﴾ مَا قدمتم لَهُنَّ، وَهَذَا على طَرِيق التَّوَسُّع وَالْمجَاز؛ فَإِن السنين لَا تَأْكُل شَيْئا، وَإِن الْقَوْم فِي السنين يَأْكُلُون. وَقَوله: ﴿إِلَّا قَلِيلا مِمَّا تحصنون﴾ يَعْنِي: تحرزون؛ وَمَعْنَاهُ: تحرزون للبذر.
وَقَوله: ﴿ثمَّ يَأْتِي من بعد ذَلِك عَام فِيهِ يغاث النَّاس﴾ الغياث هَاهُنَا: هُوَ الخصب وَالسعَة. وَقَوله ﴿وَفِيه يعصرون﴾ قرىء بقراءتين: " يعصرون " و " تعصرون " وَمَعْنَاهُ: يعصرون الزَّيْت من الزَّيْتُون، وَمن الْعِنَب الْعصير، وَمن السمسم الدّهن. هَذَا قَول ابْن عَبَّاس وَمُجاهد.
وَقيل: يعصرون: ينجون. قَالَ الشَّاعِر:
(وصاديا يستغيث غير مغاث | وَلَقَد كَانَ عصرة المنجود) |
قَوْله تَعَالَى ﴿وَقَالَ الْملك ائْتُونِي بِهِ﴾ فِي الْآيَة اخْتِصَار أَيْضا فَإِن الرجل رَجَعَ إِلَى الْملك وقص عَلَيْهِ تَأْوِيل الرُّؤْيَا ثمَّ قَالَ الْملك: ائْتُونِي بِهِ. وَقَوله: ( ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُول قَالَ﴾ ارْجع إِلَى رَبك) إِلَى سيدك ﴿فَاسْأَلْهُ مَا بَال النسْوَة اللَّاتِي﴾ أَي: مَا حَال النسْوَة اللَّاتِي ﴿قطعن أَيْدِيهنَّ﴾ على مَا بَينا من قبل، وَلم يُصَرح بِذكر امْرَأَة الْعَزِيز أدبا واحتراما. وَقَوله: ﴿إِن رَبِّي بكيدهن عليم﴾ أَي: بحيلهن ومكرهن عليم.
وَاعْلَم أَنه قد صَحَّ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " لَو لَبِثت فِي السجْن مثل مَا لبث يُوسُف ثمَّ جَاءَنِي الدَّاعِي لَأَجَبْت " وَفِي بعض الرِّوَايَات أَن النَّبِي قَالَ: " رحم الله أخي يُوسُف؛ لقد كَانَ ذَا حلم وأناة، وَلَو كنت مَكَانَهُ ثمَّ دعيت لَبَادَرت ".