﴿أفهم الغالبون (٤٤) قل إِنَّمَا أنذركم بِالْوَحْي وَلَا يسمع الصم الدُّعَاء إِذا مَا ينذرون (٤٥) وَلَئِن مستهم نفحة من عَذَاب رَبك ليَقُولن يَا ويلنا إِنَّا كُنَّا ظالمين (٤٦) وَنَضَع﴾ التَّأْوِيل أَنه قَالَ: ﴿أفهم الغالبون﴾ أَي: لَيست الْغَلَبَة لَهُم؛ إِنَّمَا الْغَلَبَة لي ولرسولي، وَعَن ابْن جريج قَالَ: مَا ينقص من سَائِر الْأَرْضين يُزَاد فِي الشَّام، وَمَا ينقص من الشَّام يُزَاد فِي أَرض فلسطين، وَبهَا الْمَحْشَر. وَقَالَ عِكْرِمَة: لَو نقص من الأَرْض مَا وجد أحد مَكَانا يقْعد فِيهِ، وَلَكِن المُرَاد من الْآيَة ذهَاب خِيَارهَا وعلماؤها، وَيُقَال: هُوَ موت أَهلهَا، وَقيل: خرابها.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل إِنَّمَا أنذركم بِالْوَحْي﴾ أَي: بِالْقُرْآنِ.
وَقَوله: ﴿وَلَا يسمع الصم الدُّعَاء﴾ وقرىء: " لَا يسمع الصم الدُّعَاء "، وَقَرَأَ عبد الرَّحْمَن المقرىء: " لَا تسمع الصم الدُّعَاء "، وَأما الْمَعْرُوف هُوَ ظَاهر الْمَعْنى، والصم هم الْكفَّار، وَسَمَّاهُمْ صمًّا، لأَنهم لم يسمعوا مَا يَنْفَعهُمْ.
وَقَوله: ﴿إِذا مَا ينذرون﴾ أَي: يخوفون بِالْوَحْي.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَئِن مستهم نفحة﴾ النفحة هِيَ: الدفعة الْيَسِيرَة، تَقول الْعَرَب: نفح فلَان بِالسَّيْفِ على هَذَا الْمَعْنى، وَهِي بِخِلَاف... والنفخة لَا بُد فِيهَا من خُرُوج الرّيح من الْخَوْف، وَمعنى ﴿وَلَئِن مستهم نفحة﴾ أَي: طرف من عَذَاب رَبك، وَقيل: أدنى شَيْء من عَذَاب رَبك.
وَقَوله: ﴿ليَقُولن يَا ويلنا إِنَّا كُنَّا ظالمين﴾ مَعْنَاهُ: يَا هلاكنا، إِنَّا كُنَّا مُشْرِكين، كَأَنَّهُمْ أقرُّوا على أنفسهم بِاسْتِحْقَاق الْعقُوبَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَنَضَع الموازين الْقسْط﴾ مَعْنَاهُ: ذَوَات الْقسْط، والقسط، الْعدْل، وَفِي الْمَشْهُور فِي الْأَخْبَار: أَن الْمِيزَان لَهُ لِسَان وكفتان، وَفِي بعض الْمَأْثُور: أَن دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَام - قَالَ: يَا رب: أَرِنِي الْمِيزَان الَّذِي يُوزن بِهِ أَعمال الْعباد، فَأرَاهُ إِيَّاه،


الصفحة التالية
Icon