﴿وَكفى بِنَا حاسبين (٤٧) وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفرْقَان وضياء وذكرا لِلْمُتقين (٤٨) الَّذين يَخْشونَ رَبهم بِالْغَيْبِ وهم من السَّاعَة مشفقون (٤٩) وَهَذَا ذكر مبارك أَنزَلْنَاهُ أفأنتم لَهُ منكرون (٥٠) وَلَقَد آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رشده من قبل وَكُنَّا بِهِ عَالمين (٥١) إِذْ قَالَ﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفرْقَان﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه التَّوْرَاة، وَالْآخر: أَنه الْبُرْهَان الَّذِي فرق بِهِ بَين حق مُوسَى وباطل فِرْعَوْن.
وَقَوله: ﴿وضياء﴾ وقرىء بِغَيْر الْوَاو، فَأَما بِالْوَاو فَهُوَ صفة أُخْرَى للتوراة، إِذا حملنَا الْفرْقَان على التَّوْرَاة، وَإِن حملناه على الْبُرْهَان، فَمَعْنَاه: أعطيناه الْبُرْهَان، وأعطيناه التَّوْرَاة الَّتِي هِيَ ضِيَاء، فَأَما بِغَيْر الْوَاو فَمَعْنَى الْفرْقَان على هَذَا لَيْسَ إِلَّا التَّوْرَاة، وَقَوله: ﴿وضياء﴾ صفة لَهَا.
وَقَوله: ﴿وذكرا لِلْمُتقين﴾ أَي: تذكيرا لِلْمُتقين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذين يَخْشونَ رَبهم بِالْغَيْبِ﴾ إِنَّمَا قَالَ: ﴿بِالْغَيْبِ﴾ ؛ لِأَن الْمُؤمنِينَ يخشونه وَلَا يرونه، فَأَما هُوَ يراهم وَلَيْسوا بِغَيْب عَنهُ. وَقَوله: ﴿وهم من السَّاعَة مشفقون﴾ أَي: خائفون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَهَذَا ذكر مبارك أَنزَلْنَاهُ﴾ قد بَينا معنى الْمُبَارك، وَقيل: يتبرك بِهِ أَي: يطْلب مِنْهُ الْخَيْر.
وَقَوله: ﴿أفأنتم لَهُ منكرون﴾ مَذْكُور على وَجه التوبيخ والذم لإنكارهم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رشده من قبل﴾ فِي الرشد قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه الْهِدَايَة، وَالْآخر: أَنه النُّبُوَّة.
وَقَوله: ﴿من قبل﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: من قبل الْبلُوغ، وَهُوَ حِين خرج من السرب، وَهُوَ صَغِير، وَنظر إِلَى النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر فاستدل، كَمَا ذكرنَا فِي سُورَة الْأَنْعَام، وَالْقَوْل الثَّانِي: من قبل أَي: من قبل مُوسَى وَهَارُون.
وَقَوله: ﴿وَكُنَّا بِهِ عَالمين﴾ أَي: عارفين.


الصفحة التالية
Icon