﴿هُوَ اجتباكم وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم هُوَ سَمَّاكُم﴾ فَلَا ينساه، ويشكره فَلَا يكفره، وَقَالَ بَعضهم: حق جهاده: هُوَ أَن لَا يخل بِفَرْض مَا.
وَعَن بعض أهل التَّحْقِيق قَالَ: حق جهاده هُوَ أَن لَا يتْرك جِهَاد نَفسه طرفَة عين. وَفِي بعض الغرائب من الْأَخْبَار: أَن النَّبِي لما رَجَعَ من غَزْوَة تَبُوك قَالَ: " رَجعْنَا من الْجِهَاد الْأَصْغَر إِلَى الْجِهَاد الْأَكْبَر " وعنى بِالْجِهَادِ الْأَصْغَر هُوَ الْجِهَاد مَعَ الْكفَّار، وبالجهاد الْأَكْبَر الْجِهَاد مَعَ النَّفس، وَأنْشد بَعضهم.

(يَا رب إِن جهادي غير مُنْقَطع وكل أَرْضك لي ثغر وطرسوس)
وَقَوله: ﴿هُوَ اجتباكم﴾ أَي: اختاركم.
وَقَوله: ﴿وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج﴾ (فَإِن قَالَ قَائِل: فِي الدّين حرج كثير بِلَا إِشْكَال فَمَا معنى قَوْله: ﴿وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج﴾ ) ؟ قُلْنَا: فِيهِ أَقُول: أَحدهَا: أَن الْحَرج هُوَ الضّيق، وَمعنى الْآيَة هَاهُنَا: أَنه لَا ضيق فِي الدّين بِحَيْثُ لَا خلاص عَنهُ، فَمَعْنَاه: أَن المذنب وَإِن وَقع فِي ضيق من مَعْصِيَته، فقد جعل الله لَهُ خلاصا بِالتَّوْبَةِ، وَكَذَلِكَ إِذا حنث فِي يَمِينه جعل الله لَهُ الْخَلَاص بِالْكَفَّارَةِ، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن معنى الْآيَة أَن الله تَعَالَى لم يُكَلف نفسا فَوق وسعهَا، وَقد ذكرنَا هَذَا من قبل، وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن المُرَاد من الْآيَة أَنه إِذا كَانَ مَرِيضا فَلم يقدر على الصَّلَاة قَائِما صلى قَاعِدا، فَإِن لم يقدر على الصَّلَاة قَاعِدا صلى بِالْإِيمَاءِ، وَيفْطر إِذا شقّ عَلَيْهِ الصَّوْم بسفر أَو مرض أَو هرم، وَكَذَلِكَ سَائِر وُجُوه الرُّخص.
وَقَوله: ﴿مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن الْآيَة خطاب مَعَ الْعَرَب، وَقد كَانَ إِبْرَاهِيم أَبَا لَهُم، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْآيَة خطاب مَعَ جَمِيع الْمُسلمين، وَجعل


الصفحة التالية
Icon