﴿أَنهم إِلَى رَبهم رَاجِعُون (٦٠) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات وهم لَهَا سَابِقُونَ (٦١) وَلَا نكلف نفسا إِلَّا وسعهَا ولدينا كتاب ينْطق بِالْحَقِّ وهم لَا يظْلمُونَ (٦٢) بل قُلُوبهم فِي غمرة من هَذَا وَلَهُم أَعمال من دون ذَلِك هم لَهَا عاملون﴾ وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المُرَاد من الْآيَة أَنهم عمِلُوا بِالْمَعَاصِي، وخافوا من الله.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات وهم لَهَا سَابِقُونَ﴾ أَي: إِلَيْهَا سَابِقُونَ.
قَالَ الشَّاعِر:

(تجانف عَن جو الْيَمَامَة نَاقَتي وَمَا قصدت من أَهلهَا لسوائكا)
أَي: إِلَى سوائكا. وَيُقَال: " لَهَا سَابِقُونَ " أَي: من أجلهَا سَابِقُونَ، يَقُول الْإِنْسَان لغيره: قصدت هَذِه الْبَلدة لَك أَي: لِأَجلِك، وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: ﴿وهم لَهَا سَابِقُونَ﴾ أَي: سبقت لَهُم السَّعَادَة من الله.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا نكلف نفسا إِلَّا وسعهَا﴾ قد بَينا الْمَعْنى، وَيُقَال: لم نكلف الْمَرِيض الصَّلَاة قَائِما، وَلَا الْفَقِير الزَّكَاة وَالْحج، وَلَا الْمُسَافِر الصَّوْم، وَأَشْبَاه هَذَا.
وَقَوله: ﴿ولدينا كتاب ينْطق بِالْحَقِّ﴾ أَي: عندنَا كتاب ينْطق بِالْحَقِّ، وَهُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَاسْتدلَّ بَعضهم بِهَذِهِ الْآيَة أَن من كتب إِلَى إِنْسَان كتابا فقد كَلمه.
وَقَوله: ﴿ينْطق بِالْحَقِّ﴾ أَي: يخبر بِالصّدقِ.
وَقَوله: ﴿وهم لَا يظْلمُونَ﴾ أَي: لَا ينقص حَقهم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿بل قُلُوبهم فِي غمرة من هَذَا﴾ أَي: فِي غطاء، يُقَال: فلَان غمره المَاء، أَي: غطاه.
وَقَوله: ﴿وَلَهُم أَعمال من دون ذَلِك هم لَهَا عاملون﴾ (فِيهِ قَولَانِ: أَن للْكفَّار أعمالا خبيثة محكومة عَلَيْهِم سوى مَا عمِلُوا ﴿هم لَهَا عاملون﴾ ) هَذَا قَول مُجَاهِد وَجَمَاعَة، وَقَالَ قَتَادَة: الْآيَة تَنْصَرِف إِلَى أَصْحَاب الطَّاعَات، وَمَعْنَاهُ: أَن الْمُؤمنِينَ لَهُم أَعمال سوى مَا عمِلُوا من الْخَيْر ﴿هم لَهَا عاملون﴾، وَالْقَوْل الأول أظهر.


الصفحة التالية
Icon