﴿أَجْمَعِينَ (٩٣) وَلما فصلت العير قَالَ أبوهم إِنِّي لأجد ريح يُوسُف لَوْلَا أَن تفندون﴾ ذهبت بالقميص مُلَطَّخًا بِالدَّمِ إِلَيْهِ، فَأعْطَاهُ وَخرج حافيا [حاسرا] يعدو وَمَعَهُ سَبْعَة أرغفة فَلم يستوفها حَتَّى بلغ كنعان، وَقيل: إِنَّه بعث على يَد غَيره، [وَقَالَ] :﴿فألقوه على وَجه أبي يَأْتِ بَصيرًا﴾ قَالَ الْفراء: يرجع بَصيرًا، وَقَالَ غَيره: يعد بَصيرًا؛ قَالَ الْحسن: لم يعلم أَنه يعود بَصيرًا إِلَّا بعد أَن أعلمهُ الله ذَلِك.
وَقَوله: ﴿وأتوني بأهلكم أَجْمَعِينَ﴾ أَي: جيئوني بأهلكم أَجْمَعِينَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلما فصلت العير﴾ يَعْنِي: انفصلت من مصر وَخرجت. قَوْله: ﴿قَالَ أبوهم إِنِّي لأجد﴾ فِي الْقِصَّة: أَن ريح الصِّبَا اسْتَأْذَنت من رَبهَا أَن تَأتي برِيح يُوسُف إِلَى يَعْقُوب - عَلَيْهِمَا السَّلَام - فَهِيَ الَّتِي جَاءَت برِيح يُوسُف، وَالصبَا: ريح تَأتي من قبل الْمشرق إِذا هبت على الْأَبدَان لينتها ونعمتها وطيبتها، وهيجت الأشواق إِلَى الأحباب والحنين إِلَى الأوطان، قَالَ الشَّاعِر:

(أيا جبلي نعْمَان بِاللَّه خليا سَبِيل الصِّبَا يخلص إِلَى نسيمها)
(فَإِن الصِّبَا ريح إِذا مَا تنسمت على قلب محزون تجلت همومها)
وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " نصرت بالصبا، وأهلكت عَاد بالدبور " وَرُوِيَ أَن الْقَمِيص لما نشر هَاجَتْ مِنْهُ ريح الْجنَّة [فشمها] يَعْقُوب - عَلَيْهِ السَّلَام - فَعلم أَنَّهَا جَاءَت من قبل قَمِيص يُوسُف؛ لِأَنَّهُ لم يكن فِي الأَرْض شَيْء من الْجنَّة سواهُ.
وَقَوله: ﴿لَوْلَا أَن تفندون﴾ مَعْنَاهُ: لَوْلَا أَن تضعفوا رَأْي، وَقيل: لَوْلَا أَن تسفهوني، وَقيل: لَوْلَا أَن تنسبوني إِلَى الْخَوْف وَالْجهل.
قَالَ الشَّاعِر:


الصفحة التالية
Icon