﴿الشَّيْطَان للْإنْسَان عَدو مُبين (٥) وَكَذَلِكَ يجتبيك رَبك ويعلمك من تَأْوِيل الْأَحَادِيث وَيتم نعْمَته عَلَيْك وعَلى آل يَعْقُوب كَمَا أتمهَا على أَبَوَيْك من قبل إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق إِن رَبك عليم حَكِيم (٦) لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات للسائلين (٧) إِذْ قَالُوا﴾
وَقَوله تَعَالَى: ﴿قَالَ يَا بني لَا تقصص رُؤْيَاك على إخْوَتك﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: إِن رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي، فَعلم يَعْقُوب أَن الْإِخْوَة لَو سمعُوا (بِهَذِهِ) الرُّؤْيَا عرفُوا أَنَّهَا حق فيحسدونه (فَأمره بِالْكِتْمَانِ) لهَذَا الْمَعْنى. وَقَوله: ﴿فيكيدوا لَك كيدا﴾ مَعْنَاهُ: فيحتالوا لَك حِيلَة. ﴿إِن الشَّيْطَان للْإنْسَان عَدو مُبين﴾ وَمَعْنَاهُ: إِن الشَّيْطَان يزين لَهُم ذَلِك ويحملهم عَلَيْهِ لعداوته. للعداوة الْقَدِيمَة.
قَوْله تَعَالَى ﴿وَكَذَلِكَ يجتبيك رَبك﴾ مَعْنَاهُ: وكما رفع منزلتك وأراك هَذِه الرُّؤْيَا فَكَذَلِك يجتبيك أَي: يصطفيك رَبك. ﴿ويعلمك من تَأْوِيل الْأَحَادِيث﴾ تَأْوِيل [مَا تؤول إِلَيْهِ عَاقِبَة أمره]. وَأكْثر الْمُفَسّرين على أَن المُرَاد من هَذَا علم التَّعْبِير وَمَا تؤول إِلَيْهِ الرُّؤْيَا، قَالُوا: وَكَانَ يُوسُف أعلم النَّاس بالرؤيا وأعبرهم لَهَا. وَقَوله: ﴿وَيتم نعْمَته عَلَيْك﴾ يَعْنِي: يجعلك نَبيا، وَذَلِكَ تَمام النِّعْمَة على الْأَنْبِيَاء ﴿وعَلى آل يَعْقُوب﴾ وعَلى أَوْلَاد يَعْقُوب؛ فَإِن أَوْلَاد يَعْقُوب كلهم كَانُوا أَنْبيَاء. وَقَوله: ﴿كَمَا أتمهَا على أَبوك من قبل إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق﴾ يَعْنِي: كَمَا جَعلهمَا نبيين من قبل كَذَلِك يجعلك نَبيا.
وَقَوله: ﴿إِن رَبك عليم حَكِيم﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقد قيل: إِن المُرَاد من تَمام النِّعْمَة على إِبْرَاهِيم: هُوَ إنجاؤه من النَّار، وَالْمرَاد من تَمام النِّعْمَة على إِسْحَاق: هُوَ إنجاؤه من الذّبْح. وَهَذَا قَول مَشْهُور. وَذكر الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه كَانَ بَين هَذِه الرُّؤْيَا وَبَين هَذَا القَوْل وَبَين تحقيقها، ثَمَانُون سنة. وَذكر عبد الله بن شَدَّاد أَنه كَانَ بَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة. وَهَذَا أشهر الْقَوْلَيْنِ.


الصفحة التالية
Icon