﴿سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار (٢٤) وَالَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون مَا أَمر الله بِهِ أَو يُوصل ويفسدون فِي الأَرْض أُولَئِكَ لَهُم اللَّعْنَة وَلَهُم سوء الدَّار (٢٥) الله يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر وفرحوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا مَتَاع (٢٦) وَيَقُول الَّذين كفرُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَة من ربه قل إِن﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه﴾ ظَاهر، وَهَذَا وَارِد فِي الْكفَّار. وَقَوله تَعَالَى: ﴿ويقطعون مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل﴾ يَعْنِي: يُؤمنُونَ بِبَعْض الْأَنْبِيَاء، ويكفرون بِالْبَعْضِ، وَقيل: يقطعون الرَّحِم.
وَقَوله: ﴿ويفسدون فِي الأَرْض﴾ يَعْنِي: يعْملُونَ فِيهَا بِالْمَعَاصِي. وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ لَهُم اللَّعْنَة﴾ أَي: الْبعد من رَحْمَة الله. وَقَوله: ﴿وَلَهُم سوء الدَّار﴾ أَي: سوء المنقلب لِأَن المنقلب: مُنْقَلب النَّاس إِلَى الدَّار.
قَوْله: ﴿الله يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر﴾ يَعْنِي: يُوسع على من يَشَاء، ويضيق على من يَشَاء. وَقَوله: ﴿وفرحوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ الْفَرح: لَذَّة فِي الْقلب بنيل المشتهى، وَهَذَا دَلِيل على أَن الْفَرح بالدنيا حرَام مَنْهِيّ عَنهُ.
قَوْله: ﴿وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا مَتَاع﴾ يَعْنِي: إِلَّا قَلِيل، وَيُقَال: كمتاع الرَّاكِب، وَقد صَحَّ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا كَمَا يَجْعَل أحدكُم أُصْبُعه فِي اليم فَلْينْظر بِمَ يرجع ".
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَيَقُول الَّذين كفرُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَة من ربه﴾ يعنون الْآيَة المقترحة؛ فَإِن قَالَ قَائِل: لم لَا يجوز أَن يُجِيبهُمْ إِلَى الْآيَة المقترحة، ولعلها تكون سَببا لإيمانهم؟ وَالْجَوَاب: أَن الْآيَة المقترحة لَا نِهَايَة لَهَا، وَإِن وَجب فِي الْمصلحَة أَن يُجيب وَاحِدًا، وَجب أَن يُجيب آخر، إِلَى مَا يتناهى.
وَقَوله: ﴿قل إِن الله يضل من يَشَاء﴾ ظَاهر الْمَعْنى. وَقَوله: ﴿وَيهْدِي إِلَيْهِ من أناب﴾ مَعْنَاهُ: وَيهْدِي إِلَيْهِ من يَشَاء بالإنابة، وَفِي الْآيَة رد على الْقَدَرِيَّة، وَالله الْهَادِي إِلَى الصَّوَاب بمنه.


الصفحة التالية
Icon